تدوير رموز الفساد و"إرهاصات دولة القانون"... "الشعب في خدمة الحكومة"... ؟!

خميس, 2021-12-09 08:18

لا يشكك اثنان في أن نظام الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني "مختلف" عن نظام سلفه الرئيس محمد ولد عبد العزيز، وخاصة فيما يتعلق بالشعارات الكبيرة التي يرفعها الرجل وحكومته منذ توليه السلطة قبل أزيد من عامين، رغم أن الرئيس السابق تبنى شعارات جميلة لامست هموم المواطنين، لكن الكثيرين يجمعون على أنه لم يتغير شيء كثير منذ تنصيب الرئيس "محمد الثاني" سوى إعادة تدوير رموز حكم "محمد الأول" وهيمنة بعض المقربين من خلفه مع إقصاء أو تهميش المقربين السابقين من دائرة الحكم والنفوذ.

ورغم وجود ما يشبه إرهاصات لميلاد "دولة القانون والمؤسسات" المنشودة، على حساب دولة العائلة والمقربين، فإن أشياء كثيرة تعيق تحقيق هذا "الحلم الجميل" الذي طالما تمنى الموريتانيون تجسيده على أرض الواقع ليصبح الجميع تحت سلطة القانون وتصبح السلطة التنفيذية خاضعة للقانون وليس العكس كما جرت العادة منذ ما بعد انقلاب 1978 مع بعض التحفظ على فترات متقطعة للفترة السابقة لانقلاب الجيش على نظام الرئيس المؤسس المختار ولد داداه رحمه الله.

ويعتقد مراقبون أن "نية" الرئيس الغزواني في "إرساء أسس دولة العدالة والقانون" قائمة وجادة، وهو بصدد تفعيل مؤسسات الدولة وإعادة الاعتبار للقضاء والثقة للمواطن في وطنه وفي نظام الحكم التي افتقدها منذ إعلان استقلال الدولة وتجسدت معاناته أكثر في وطنه مع أنظمة الفوضى اللاحقة حيث تتحكم ثلة من الفاسدين المفسدين.

غير أن نية الرئيس وحدها لا تعكس الترجمة الفعلية لتجسيد دولة العدالة خصوصا مع "الاستماع" لأصحاب النفوذ والسماح بتصفية حسابات البعض مع البعض الآخر على حساب العدالة والنزاهة والإنصاف.

ولعل من الأمثلة على ذلك لا حصرا، إقالة بعض الحكام، قبل عام، إرضاء لشخصية نافذة غاضبت الحكام الذين رفضوا السماح بتهريب تجارة المعني إلى دولة مجاورة خارج القانون فكان جزاؤهما العقوبة المتفاوتة بحجم تفاوت وزنهما الاجتماعي ونفوذهما السياسي. وهو أمر لا يبشر بإرساء أسس العدالة ودولة القانون بكل تأكيد. وكذلك حالة الانحياز والاصطفاف التي تبنتها الوزارة الوصية على الإعلام لفائدة طرف في المشهد الإعلامي على حساب طرف آخر بعيدا كل البعد عن قيم العدالة والإنصاف والشفافية التي "ينادي بها" الرئيس وأعضاء حكومته باستمرار.

والأمثلة أكثر من مجرد هذين المثالين، وقد نتطرق لها في مقالات لاحقة، لكننا قد نضرب مثالا ببعض القطاعات الحكومية التي يهيمن عليها بعض المقربين من الحكم بشكل أو بآخر ولا علاقة للكفاءة أو الخبرة أو النزاهة بوجودهم هناك بل إن من بينهم "أصحاب سوابق" في عدم الاستقامة مع المال العام ؟!!

هذه الوضعية هي التي جعلت بعض المراقبين يتساءلون، وهم محقون في ذلك، ماذا تغير وما الجديد الذي يدفعنا كمواطنين للتفاؤل بغد أفضل ما دامت "دار لقمان على حالها"، وربما هي في طريقها لما هو أسوء إذا لم يبادر الرئيس نفسه بإعادة تصحيح المسار والتخلص من رموز الفساد "المدورين حديثا"، من أجل إعادة البناء والتأسيس في بلد عاني شعبه الظلم والغبن والتهميش، وتصارعت لوبياته الفاسدة على المناصب والمكاسب والامتيازات خدمة لمصالحها الذاتية وليس لخدمة الوطن والمواطن، أو لتنفيذ تعهدات رئيس الجمهورية.

الشعب في خدمة الحكومة وله الفُتات !!

ومن المؤسف حقا أن يكون أغلب أعضاء الحكومة من الوزراء ومن كبار المسؤولين يعيشون في أبراج عاجية بمعزل عن هموم المواطنين ويعملون وفق قاعدة راسخة لدى أنظمة الحكم المتعاقبة والتي مفادها أن "الشعب في خدمة الحكومة" وليس العكس، كما هو سائد في كل الأنظمة الديمقراطية الجمهورية وحتى الملكية، حيث يستنكف الوزير و"المسؤول الكبير" عن أن يكون موظفا في خدمة الشعب لأنه يجهل مبرر وجوده ويعتقد أن الولاء يجب أن يكون للحاكم وليس للشعب، إذ الحاكم هو كل شيء بينما الشعب لا يعدو أن يكون مصدر دخل قار للحكام وأعوانهم وعليه "طاعة ولي الأمر في المنشط والمكره" بينما رؤساء الحكومات في دول العالم يخضعون للقانون ويحترمون القضاء ويهابون الشبهات ويخافون نقد الإعلام المهني وسلطته الرقابية ويضعون لها ألف حساب، ويسعون بكل جهد لإرضاء المواطن ونيل ثقته وكسب رضاه.

لذلك، فما دام شعبنا الصبور في خدمة الحكومة، ولا يجد منها في المقابل إلا بعض فتات ثرواته المنهوبة، فلا مجال للحديث عن إصلاح ولا عن إرساء دولة القانون والعدالة الاجتماعية لأن المخدوم هنا هو الحاكم ومعاونوه وليس الشعب صاحب السلطة الحقيقية والثروة. وهو ما رسخ القول المأثور " دار لقمان على حالها" لأن أي شيء لم يتغير نحو الأفضل مع استثناءات قليلة لا صلة لها بالعدالة الاجتماعية ولا بدولة القانون والمؤسسات.

التدوير "سُنة" مستشرية

ويجسد هذا التوجه لتكريس الفساد، اعتماد النظام على تدوير المفسدين من الأنظمة السابقة، حيث يتبوأ أبناء كبار الضباط السابقين واللاحقين وأبناء وأقارب الوزراء السابقين والحاليين وشيوخ القبائل "الوازنة" وأقارب رموز الحكم، أهم المناصب في الدولة ويتوارثونها، بينما ينتظر أصحاب الخبرة والكفاءة من عامة الشعب تكريس العدالة الاجتماعية لتتاح لهم فرصة خدمة الشعب والوطن وهو ما يتمنى الجميع تجسيده على أرض الواقع اليوم قبل الغد.

وما دامت سياسة تدوير رموز الفساد و"أبناء الذوات" هي السائدة فلا يمكن الحديث عن تغيير نحو الأفضل ولا عن سعي جاد للبناء والتنمية لأننا، والحال هذه، محكومون بقواعد وقوانين العهود الغابرة التي لا حظ فيها إلا للمقربين من "المخزن".

والحقيقة أن الشعب بدأ يتذمر من هذه الوضعية المزرية، حيث ترتفع الأسعار بصورة كبيرة يعجز معها المواطنون عن تأمين احتياجاتهم الغذائية والدوائية، اليومية وشبه اليومية، ويجدون حاجزا وسدا منيعا بينهم والمرافق الخدمية بسبب سياسات الزبونية والمحسوبية والرشوة التي تتحكم في كل شيء داخل معظم مرافق الدولة.

استقلالية القضاء

ولأن الوضع تحت سيطرة أبناء الذوات ونفوذ المقربين من دوائر السلطة فإن القضاء لا يمكن أن يكون مستقلا، حيث يدرك أغلب القضاة أنهم تحت سطوة ونفوذ السلطة التنفيذية ولا يستطيعون، في الغالب، مخالفة "الأوامر العليا" حتى ولو كانت مخالفة للقانون بصورة صريحة وفجة، لأن القضاة في هذه الحالة يتطلعون فقط إلى التمسك بمناصبهم وبالامتيازات التي تمنحها الطاعة للسلطة التنفيذية وتعليماتها، مع استثناءات مشهودة لبعض خيرة قضاة بلدنا.

ورغم ذلك فلدينا قضاة يرفضون مخالفة القانون ويطبقون العدالة لا يخافون في الله لومة لائم، لذلك نجد أن راتب الوزير وحتى المدير العام أعلى وأهم من راتب قاض يفترض أن يحظى بامتيازات استثنائية تضمن استقلاليته ونزاهته وهو أمر لا تريده الأنظمة الفاسدة عبر العصور، تماما كما لا تتطلع لبروز صحافة مستقلة مهنية تكشف فضائحها.

هل نلمح ضوءا في آخر النفق ؟

ويعتقد مراقبون أن رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني يواجه جملة من التحديات التي تفرض عليه مسايرة بعض التقاليد الفاسدة والسكوت عن بعض مظاهر الفساد ومجاراة المفسدين حتى لا يفتح على نفسه جبهات عديدة في وقت واحد، وأنه "بصدد التخلص من المفسدين ورموز الفساد واحدا تلو الآخر وبتدرج" حتى يتمكن من تجسيد أهدافه المعلنة في "إرساء أسس دولة القانون والعدالة الاجتماعية" المنشودة وخدمة الوطن والشعب، وقد يضطر في وقت لاحق إلى تغيير أغلب أعضاء حكومته وأغلب كبار المسؤولين وانتخاب برلمان جديد يستجيب لمتطلبات المرحلة الجديدة لكنه لن يتمكن من تحقيق ذلك في وقت قياسي، كما أنه "يعاني" من أزمة ملف رفيق دربه الرئيس السابق السيد محمد ولد عبد العزيز الذي لم تتم إحالته للقضاء رغم كل هذا الوقت في الإقامة الجبرية والسجن قبل الإدانة وهو ما يحرج النظام بصورة كبيرة،

ومع ذلك يعتبر مراقبون أن شعارات الرجل وما بدأ يتجسد منها قد يكون بداية ضوء في آخر النفق في بلد عاني الظلم والتهميش والغبن والحرمان والمعاناة في كل تجلياتها على مدى عقود متصلة، وهو ما يتمناه المواطنون وخاصة من حملوا الرئيس الأمانة ومنحوه ثقتهم ليصبح رئيسا منتخبا للجمهورية الإسلامية الموريتانية، فهل ينحاز الرئيس للشعب أم يظل هذا الشعب خادما للحكومة؟.

أحمد ولد مولاي امحمد / إعلامي