تسببت مذكرة التفاهم الموقعة فاتح يناير الجاري بين أثيوبيا و”صوماليلاند” أو “أرض الصومال” في أزمة دبلوماسية بين مقديشو وأديس أبابا، وأثارت مخاوف واسعة إقليميا ودوليا من تطور التوتر بين الجارتين، وتوسعه باتجاه باقي دول منطقة القرن الإفريقي، المعروفة تقليديا بأنها منطقة أزمات وصراعات.
وتمنح هذه المذكرة لأثيوبيا حق استخدام واجهة بحرية بطول 20 كيلومتر ولمدة نصف قرن، مقابل اعتراف أديس أبابا ب”استقلال أرض الصومال”، وهنا تكمن مخاوف الصومال، وعديد المنظمات الإقليمية والدولية، وكذا الأمم المتحدة، إذ لا تريد مختلف هذه الأطراف المزيد من الدويلات الانفصالية.
فتجربة انفصال جنوب السودان عن السودان رسميا عام 2011، واستقلال إريتريا عن أثيوبيا سنة 1991، أثارت من المشاكل والأزمات، أكثر مما حملت معها من حلول، واعتراف أثيوبيا ب”صوماليلاند” كدولة، بعد إعلانها الاستقلال من طرف واحد سنة 1991 وظلت دون اعتراف دولي، يدفع في اتجاه الانقسام والانفصال، ولذلك لم يتردد الاتحاد الإفريقي، ومنظمة إيغاد، وجامعة الدول العربية، والاتحاد الأوروبي، والأمم المتحدة، وغيرها، في التأكيد على احترام سيادة الصومال ووحدة أراضيه، وحل الأزمة دبلوماسيا.
وإذا كانت أثيوبيا الدولة الحبيسة، الثانية إفريقيا من حيث عدد السكان، بالفعل تحتاج إلى واجهة بحرية، بعدما فقدت ساحلها الطويل على البحر الأحمر إثر استقلال إريتريا عنها بعد حرب طاحنة، ولم يعد لها الحق في الوصول إلى ميناء “عصب” الإريتري، وباتت تعتمد في صادراتها ووارداتها على ميناء جيبوتي، فإن الخطوة التي أقدمت عليها، يتجاوز خطرها الدولتين، نحو منطقة استراتيجية، تشكل نقطة تقاطع للتجارة الدولية، بل إنه قد يتجاوز كل ذلك.
كما أن أثيوبيا نفسها قد تخسر الكثير جراء هذه الخطوة، في حال تطور التوتر إلى أبعد من الاحتجاج الدبلوماسي الصومالي واستدعاء السفير، ذلك أن أزمة البلاد بشأن سد النهضة لم تحل بعد مع مصر والسودان، والتوجه نحو ميناء بربرة الصومالي، من شأنه فتح قناة توتر مائي جديدة، غير محسوبة النتائج.
هذا فضلا عن أن اعترافها ب”صوماليلاند” كدولة، قد يذكي مطالب الاستقلال لدى إقليم تيغراي، الذي خاضت السلطة المركزية بأديس أبابا حربا ضروسا ضده لمدة عامين، انتهت بموجب اتفاق وقع عليه الطرفان في جنوب إفريقيا.
وفضلا عن ذلك، فإن هذه المذكرة تفتح جبهة توتر جديدة بالنسبة للصومال، المنهكة جراء أزيد من عقد ونصف من محاربة جماعة “الشباب” دون أن يتم بعد القضاء عليها، رغم التدخل العسكري الأجنبي.
وينضاف إلى كل ذلك أن السياق الذي يأتي فيه التوتر الأثيوبي الصومالي، يتسم باضطراب الوضع في كامل منطقة القرن الإفريقي، جراء الحرب الداخلية السودانية بين الجيش وقوات الدعم السريع، والتي دخلت شهرها التاسع، مخلفة أكثر من 12 ألف قتيل مدني وعسكري، فضلا عن نزوح ولجوء الملايين، استقبلت دول الجوار مئات الآلاف منهم.
ويثير استمرار الحرب مخاوف من توسعها، أو على الأقل اشتداد مستوى تأثيرها على دول الجوار، خصوصا في ظل توتر العلاقات الدبلوماسية بين السودان وتشاد، حيث تتهم الأولى الثانية بدعم قوات الدعم السريع، ووصل مستوى التوتر حد تبادل طرد بعض الدبلوماسيين.
كما أن علاقات السودان متوترة مع كينيا بعد الاستقبال الرسمي الذي خصت به قائد قوات الدعم السريع الفريق محمد حمدان دقلو، الذي قام مؤخرا بجولة في المنطقة شملت عدة دول.
ويؤشر كل ذلك، على أن منطقة القرن الإفريقي، قد تحتاج أي شيء، إلا أزمة جديدة تنضاف للتوترات الحدودية، والأزمات الداخلية، لا سيما إذا كانت الأزمة الجديدة مرتبطة بالبحر الأحمر، الذي يشهد حاليا أزمة تتهدد سلاسل التوريد العالمية جراء هجمات الحوثيين على السفن التجارية، تضامنا مع غزة التي تعاني عدوانا إسرائيليا ماحقا أكمل شهره الثالث، وما زال مستمرا، في ظل تخاذل عربي ودولي كبيرين.