الصحافة والحصافة والفصاحة (3)

جمعة, 2020-11-27 12:28

-الفصاحة

أهوى قراءة الصحافة المهنية لأسلوبها الوسيط بين، من جهة، الأسلوب العلمي الذي يستعمل مصطلحات محدودة نسبيا وجملا بسيطة وجافة ويتوخى دقة المعنى وأحاديته، والأسلوب الأدبي الذي يفتح ذراعيه لكل مفردات المعجم وإيحاءات الخيال ويحبذ الجمل البليغة والمركبة التي تحتمل أكثر من تأويل، من جهة أخرى. فالأسلوب الصحافي يمكن اعتباره "الكتابة الوسطى"، مقارنة ب-"الكتابة الكادحة" في المجال العلمي و"الكتابة الأرستقراطية" في الفضاء الأدبي. وإذا كانت "اللغة" مشتقة من "لغا" (لغوا)، فإن الصحافة المهنية تحول "اللغو" المجتمعي اليومي إلى منتج ثقافي (ناعم) ومتطور قابل للاستهلاك من لدن طيف عريض من القراء. وتشكل الفصاحة (اللغة والمعنى) أحد أسرار نجاح الكتابة الصحافية المحترفة، فعندما نقرأ تقريرا حصافيا مهنيا عن مواضيع ذات تفصيلات معقدة كالأشغال الحائزة على تميّز علمي أو أدبي كبير (نوبيل أو افيلدز مثلا) أو أخرى جيوسياسية حساسة (الأمن أو الطاقة مثلا)، نشعر بنشوة الاطلاع على مفاهيم وأسرار عميقة تشحذ خيالنا وتجعل منا مشاركا في المغامرة الكونية للبحث والاكتشاف والابتكار، حتى ولو كان إلمامنا بالموضوع المعني محدودا. فلو لا فصاحة الصحافي لظل أفراد كل تخصص معرفي يدورون في فلكهم الضيق ولظل الجمهور العريض يسبح في ظلمات الخرافة والتخلف، ولما تأسست مجتمعات العدل والمواطنة والمبادرة. فالصحافي المهني، يمكن اعتباره مدرسا لقسم متعدد المستويات يسع مجتمعا برمته وربما أشمل من ذلك.

ومن المدهش حقا في المهنة الصحافية، قدرة صاحبها على التحرير في كل الظروف، فهو كالفنان التشكيلي المحترف، يستطيع إنتاج لوحة تحريرية بديعة بلمسات لغوية وتركيبية سريعة وفصيحة.

ومن أنجح الصحافيين المهنيين أصحاب الهواية المبكرة التي عضدتها الموهبة وأطرتها المهارات المكتسبة وكملتها الممارسة الميدانية الكافية فالخبرة وصولا إلى الفصاحة.

(النهاية).

نقلا عن صفحة الوزير السابق

الدكتور /اسلكو ولد احمد ازيد بيه على فيس بوك