لعله من غير المتواتر في التاريخ الموريتاني الحديث أن تلاقت أصوات الشعب بمختلف مكوناته وشرائحه وانتماءاته معبرة عن ارتياحها لجو سياسي معين، كما يحدث منذ تولي ولد لغزواني رئاسة الجمهورية..
ومن العجيب فعلاً كون بعض تلاميذ الركبة الباكين (بالكاف وليس بالگاف) من أتباع الرئيس السابق مثل الوزير الأسبق محمد ولد جبريل، يتمنى أو يُهددُ، في تدوينات متهافتة، بانفضاض هذا الإجماع، إذا ما سارت العدالة سيرها الطبيعي وحاسبت ولي نعمته، ..ليس لديّ أدنى شك أن الدكتور محمد جبريل، الذي اكتشفه ولد عبد العزيز، وغازل به شريحة مُعينة، يعي أنه إطارٌ من مشيخة صوفية عريقة (مشيخة معدن العرفان) طيّبة الذكر، وأنه لا يمُتُ بصلةٍ إلى الشريحة التي أغراه عزيز بالانتماء إليها بعد التعيين.. تلك مغالطة فقط فضلتُ المرور بها، ليتذكر منتحلُ الصفة أهلَه وناسَه، وأنّ لا فَردَ من تلك الشريحةَ المُنتحلَة يساندُ ولد عبد العزيز..
خذْ آلة حاسبة، وأحسب معي كمّ ونوعَ الإجماع الذي تنعم به البلاد اليوم: الأغلبية بحذافيرها، والتواصليون والتكتليون والبعثيون التاريخيون وقادة إيرا واليساريون والمهمشون والمغبونون والمطرودون والمنفيون من البلاد والزعاماتُ التقليدية، كلهم رأوا في هذا النظام أملاً وبروقَ خير تبشر بغيث يحي الأرض وينبت الزرع ويدر الضرع..
الأدلة مُسجلةٌ بالصوت والصورة، سوف أحيلك إلى بعضها فقط، فقد قال المعارض التاريخي أحمد ولد داداه إنه خلال لقاءاته المتكررة مع الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني وجده "ودوداً ومهذباً"، مشيراً إلى أن لديه "استعداداً كبيراً للاستماع والتنفيذ".
وأضاف في مقابلة مع صحيفة "القلم" الناطقة باللغة الفرنسية "لقد تم، بالفعل، اتخاذ مبادرات تهدف إلى تحسين الوضع المادي للعديد من المواطنين؛ وأنا إذ أُثمن هذا الإجراء، أعتبر أنه من الضروري مضاعفته وتعميمه على جميع الفئات المحتاجة"..ربما تتذكر أن ولد عبد العزيز كان يرفض اللقاء بولد داداه أيام زعامته لمؤسسة المعارضة,,
رئيس حزب اتحاد قوى التقدم الدكتور محمد ولد مولود قال عقب لقاء مع ولد غزواني إن الرئيس يمتلك رؤية للمستقبل، وإن لقاؤه به كان إيجابيا..(هذا عاديٌ فسيدك لا يمتلكك رؤية، وما كان لحامل شهادة كونكور أن يمتك أي رؤية حاضرة أحرى مستقبلية).
الثاني في الانتخابات الرئاسية الماضية الرئيس بيرام ولد الداه ولد اعبيد ذهب أبعد من ذلك، فقد قال إن صدام الدولة مع دعاة الحقوق والمدافعين عن الكرامة الإنسانية انتهى.. وأضاف أن الأمل عاد مع تناوب 2019..
شكَرَ الرئيس علي ما وصفه بحسن الاستقبال والقدرة علي الاستماع المعهود والاهتمام والصراحة التي يقتضيها استقبال رئيس دولة لمواطن يمثل جزءا من الرأي العام.
بيرام أكد إن التطمينات التي قدمها الرئيس توحي بأنه لن تكون هناك تصفية حسابات ولا محاباة ، فيما يتماشي مع تصريحاته السابقة، مضيفا أن هذا التوجه غير مسبوق في تاريخ موريتانيا منذ الإطاحة بالحكم الدني سنة 1978.
أطلتُ عليك بشهادات بيرام، وأزيدك أنه قال" إن الرئيس ومحمد ولد الشيخ الغزواني مصممٌ على "عقدٍ اجتماعي جديد مبني على أساس الأحقية والكفاءة والعدالة في الفرص بعيدا عن الحظوة العرقية والمحاباة والشهادات المزورة".
نجلُ المناضل التاريخي المصطفى بدر الدين الأستاذ محمد فوزي كتب بوضوح، شاكرا مبادرة الرئيس بالاعتناء بوالده القامة النضالية، قائلا إن ذلك ينبع "من إيمان عميق بواجب احترام الإنسان الموريتاني و العناية به، فأنتم فخامة الرئيس خير من علم أن الوطن يحتاج إلى تقدير تاريخه و رموزه و تثمين كل المساهمات والتجارب الوطنية المخلصة".. لم يُكلف سيدك نفسَه عناء مشاركتنا في الصلاة على الفقيد الرمز، بعد عقد أهينَ فيه بدر الدين، وأهينت فيه القيم، ومرغ فيه الرموز في الحضيض، واستبيحت كرامة المواطن شرفه..
ما إن ودّعنا سيدك، حتى تحوّلَ التدابر والاحتراب والتنافر إلى جو ألفة ومحبة وإخاء.. لأول مرة جلس الجميع على منصة عيد الاستقلال الوطني في أگجوجت، واحتفلت موريتانيا كل موريتانيا جنباً إلى جنب بالمناسبة..
القيادي الرئيس محمد جميل منصور دوّن عقب لقائه بالرئيس، وهو المعروف بالاقتصاد في العبارات، بالحرف:"كنت قد عبرت في الماضي عن آمال مع استلام السيد محمد ولد الشيخ الغزواني لمسؤولياته رئيسا للبلاد، ولا أخفي أن هذا اللقاء عزز تلك الآمال وزاد من منسوبها".
لم يترك الزعيم الوطني المعروف مسعود ولد بلخير حظّه من الإجماع الوطني يضيع سدى، فقد عبرهو الٱخر عن رضاه التام عن سير عملية البناء الوطني التي يقودها الرئيس غزواني..
ولم تغب رموز وقامات من أمثال الشخصية الاجتماعية الكبيرة الشيخ سيدي ولد الداهي، والشيخ الخليل النحوي، والزعيم التاريخي للبعثيين الموريتانيين محمد يحظيه ولد ابريد الليل، ورئيس حركة أفلام، ورجل الأعمال محمد ولد بوعماتو وغيرهم عن مشهد تثمين حالة الإجماع الوطني..
صديقي محمد جبريل، سأختم هذه العجالة الباسمة المستبشرة تعليقا على تدوينك، بفقرة من بيان المصطفى الإمام الشافعي العائد أمس إلى أرض الوطن بعد ردح من الغياب يقول فيها: "شكرا لرئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني الذي أخذ على عاتقه رفع الظلم الذي وقع عليّ وعلى غيري من طرف النظام السابق".
عزيزي جبريل، لا أحدَ يشُكّك في جدارتك، ولا في معارفك، ولا في نظافة يدك ودماثة أخلاقك التي نشأت وتررعت عليها في معدن العرفات، لكنك ارتقيتَ مرتقىً صعباً في استشرافك لمستقبل هذا الإجماع الذي طالما حلم به الموريتانيون، وثقْ أنهم لن يُفرّطوا فيه..لا أخالكَ تعتقد أن الإجماع لا ينعقد دون الواحد (شخصك الكريم) أوالاثنين.. أعلمُ أنكم ثلاثة، لله الحمد، ورابعكم ولد عبد العزيز الذي ترك البلاد قاعاً صفصفاً.. على شفى التناحر، ومنهكة بالديون الداخلية والخارجية..
عبد الله اشفغ المختار/ كاتب صحفي