إذًا كانت الحكومات الغربية تتحمل، في غالبها، المسؤوليات التاريخية والأخلاقية والسياسية والعسكرية في حرب الإبادة التي تتعرض لها اليوم غزة وفي مأساة فلسطين بشكل عام، فإن في هذا الغرب شخصيات فكرية وسياسية وازنة وفعاليات حقوقية وشعبية واسعة تدافع اليوم بشجاعة نادرة عن الحق الفلسطيني وتدفع ثمن هذا الدفاع غاليا. لذا استحقت التنويه والتقدير…
١- أقدر المثقفين والسياسيين الغربيين الكبار الذين يتعرضون للأذى دفاعا عن غزة وعن الحق الفلسطيني بشكل عام، وعلى رأسهم دومينيك دفيلبينه، الوزير الأول الفرنسي الأسبق الذي عارض، أمس، الحرب الجائرة على العراق، بكل ما أوتي من جهد، وها هو اليوم يفضح، بقناعة نادرة وعزيمة لا تلين، الإبادة الجماعية في غزة ؛ والرائع في هذين الموقفين أن صاحبهما يتعرض للضربات الممتتالية، في بيئة دأبت نخبها الفكرية والسياسية والإعلامية على التحيز لاحتلال فلسطين منذ النكبة إلى يومنا هذا.
٢- غصت شوارع واشنطن ولندن وباريس وغيرها من كبريات المدن الغربية، بالمتظاهرين المنددين بالإبادة الجماعية في غزة، في بيئة وصل فيها الاستبداد القانوني إلى تجريم نطق عبارة "الحرية لفلسطين!"… فاعتقل الكثيرون وفصل الكثيرون من عملهم لمجرد التعبير عن رأيهم بشكل سلمي ووصم الكثيرون ب-"الإرهابيين" لمجرد شجبهم لمجزرة بشرية على الهواء مباشرة وتعطلت دراسة طلبة كثيرين في بعض أعرق الجامعات الغربية، وتم طرد الكثيرين منها…
٣- ضحى محامون وحقوقيون غربيون كثر بوقتهم وفكرهم وأموالهم وأمنهم القانوني من أجل طرح موضوع الإبادة الجماعية في غزة أمام المحكمة الدولية في لاهي وفي مجلس حقوق الإنسان في جنيف وعلى منظمة العفو الدولية في لندن…
٤- تقطن الغرب اليوم جاليات عربية ومسلمة هامة، فعلى سبيل المثال، أصبح لقب "محمد" (عليه الصلاة والسلام) أول لقب في مصحات الولادة في إنجلترا وويلز خلال السنة 2023، متقدما على "نوواه" و"أوليفر". لقد عانت هذه الجاليات الكثير وتعاني الكثير دفاعا عن الحق الفلسطيني الغير قابل للتصرف، وهي بذلك تستحق كل التقدير والاحترام والامتنان، من المدافعين عن الحق والحرية عبر العالم.
فلو لا الجهود المضنية لأوساط فكرية ومهنية وسياسية وشعبية وازنة في الغرب، وقوفا في وجه الإبادة الجماعية في غزة وفي وجه غطرسة المستوطنين في الضفة الغربية، لما تم استصدار مذكرة توقيف دولية ضد رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي ووزير دفاعه السابق. ولولا هذه الجهود المضنية، لما حظرت بعض الدول الغربية ولوج أراضيها على بعض المستوطنين، على قلة العدد المعني... ولولا هذه الجهود، لما أصدرت منظمات وهيئات دولية وازنة إدانات تؤرق اليوم هذين الشخصين وغيرهما من مجرمي الحرب في فلسطين ؛ فمن قرأ، مثلا، التقرير "المجهري" الذي أصدرته "العفو الدولية" عن الحرب على غزة، هذا التقرير الذي لم يترك شاردة ولا واردة إلا ودونها، بلغة دقيقة ونزاهة فكرية نادرة، فمن قرأ إذا هذا التقرير، لا يمكنه إلا أن يرفع قبعته لهذه المنظمة التي أكدت كتابيا وبأدلة "دامغة" على حدوث "إبادة جماعية" في غزة، وهو أمر في غاية الأهمية على الأصعدة النفسية والقانونية والسياسية، اليوم وغدا…
من المهم أن يفهم مناصرو الحق الفلسطيني، ضرورة تحويل هذا الحق إلى مرادف للعدالة والحرية عبر العالم، خاصة في الشارع الغربي…