رحلة البحث عن أول مخطوط للقرآن الكريم في القطر الموريتاني /سعيد ولد حبيب

جمعة, 2024-09-27 17:43

 

قافلة بدر ل"صلة الرحم"  تحط عند  أهل أحبيبي قرب تنباره وسط حفاوة بالغة 

اخترقت المركبات لجج الظلام الحالك التى فرضت طوقاعلى  مقاطعة مال وبلدية شكار ثم انبسطت السماء،كشاشة عرض تلمع فيها أضواء البرق وتتراقص على جنباتها أنجم صغيرة..
بدى المشهد أقرب لحاسوب فقد تسعين بالمائة من طاقة شحنه؛  ثم هبت عاصفة دائرية ..زادت المشهد دراماتيكية وجعلت منه ليلا بهيما ..
واصل الموكب المكون من عدة سيارات من رباعيات الدفع سيره بتوجس؛فالأرض صعبة المراس بعد أيام استمر فيها هطل المطر حتى تعقدت مسارات الطرق؛ وأصبح  السائر  محاطا بجملة مخاطر منها الانزلاقات الطينية ..فانبرى الموكب في  دروب نائية للوصول إلى بدرالكبرى  قرب قرية  تنباره  سألت بونه ولد احبيبي احد ابناء البلدة  لماذا فضلتم الإقامة في هذه المنطقة الوعرة البعيدة من مظان الحياة والراحة رد  قائلا :لقد سمعت الوالد يقول إنهم اختاروا النأي عن المدينة  حفاظا على الأخلاق وصونا للأجيال  ومن أجل تحفيظ الأطفال القرءان الكريم دون مؤثرات .. 
استقبلتنا بدر بحيوية لافتة فقد ظننا أن أهل القرية قد آووا إلى دعتهم ..لكن شبابها  حولوا ذلك الهدوء الى ضخب والوجوم الى فرح  فشرعوا  ،في إطلاق طلقات من مدفع كلانشنيكوف في الهواء،تتابع بعضها مخترقا ظلمة الليل ومعانقا الشهب والكواكب محدثا موسيقى على وقع زغاريد وأهازيج احتفالا بالضيوف القادمين 
كانت قطعان البقر في محيط مقر الضيافة هادئة إذ يبدو أنها  شبعت من عشب آمريشة وارتوت من مياه الوادي المنسابة من فتحة الربط الترابي الذي بناه الأهالي  وتهتكت بعض اجزاءه 
يختزن "ربط بدر " كميات لابأس بها ستستخدم في زراعة بعض الحبوب كالدخن والذرة والفاصوليا ، كما يستفاد منه في الحصول على الماء لفترة وجيزة.
يشرب الحي مؤقتا  قبل أن يجف الواد مع انتهاء الموسم  ليتم اللجوء إلى جلب الماء من على بعد خمسة عشر كلمترا
ورغم وجود دراسات تثبت إمكانية حفر لجلب الماء الصالح للشرب إلا أنه تقف عقبات دون تحقيق ذلك يطرح الاهالي تساؤلات حولها ؟؛
متعة الخريف هنا لا تمكث طويلا فبمجرد توديع الموسم تبدأ معاناة أخرى .. 
قرية تنباره وجوارها هي منطقة مهيأة لتشكل وجهة جذب سياحي لكن العزلة ونقص مصادر الماء يدمران هذا الطموح بل ويهددان مظاهر الحياة فيها بالزوال 
غير أن ذلك لم يمنع طلاب محظرة الشيخ آبه ولد احبيبي، من رفع أصواتهم بالقرآن الكريم ثم إنه يمكنك أن تميز بين ألسنتهم القرءات السبع والعشر وهي القراءات  التى يحرص شيخ المحظرة على تدريسها للأجيال والحفاظ عليها في منهجه 
القرءان هنا هو غذاء الروح الذي يتمسك به الاهالي؛ لحماية الجسد بينما يسهم تدريس  المتون والكتب المثقلة بالعلوم دورا رئيسا في تقوية مناعة هذه القرية مقاومة موجات الحداثة 
وبحسب احد اعضاء وفد الزيارة فإن الأطر القادمين  من مناطق موريتانية مختلفة اختاروا هذه الرحاب بولاية لبراكنة  ليشتركوا مع ذويهم وارحامهم لحظات السعادة في موسم الخريف ولاستكناه لب التحديات التى يواجهونها .
الزيارة شكلت فرصة لاستقراء نتف من التاريخ والتراث المشترك حيث يسعى أحفاد " أحمد لوتيد " عالم واداني - ورد ذكره في اكثر من تأليف وكتاب- لجمع بقايا أول مخطوط للمصحف الشريف في القطر الموريتاتي؛ خطه جدهم بيده ومداده وعثر على بعض صفحاته بينما يجري البحث عن بقيته ..
الزيارة الأخوية شملت مزارات لبعض الأضرحة ولقاء صاحب الفضيلة آبه ولد احبيبي وهو  شيخ  محظرة مازال يتمتع بذاكرة حديدية رغم التقدم في السن كما التقوا بعض الأمهات الماجدات ممن صبرن على الصعوبات لتربية الاجيال في بئة نظيفة ..
وكما استقبلت بدر الضيوف بالمدفع والمشوي ودعتهم على أمل تكرار مثل هذه الزيارات تقوية لعرى الاواصر وتثمينا لتاريخ غني علما وكرما وصبرا .