عاد إلى دوائر النقاش العام مجددا في الواقع وعبر وسائط التواصل الاجتماعي الموريتانية نقاش محتوى قانون عرف خلال السنوات الماضية إبان عرضه ورده لعدة مرات على البرلمان باسم "قانون النوع"، وذلك في ثالث محاولة من الحكومة لتمريره عبر البرلمان، حيث بدأت وزارة العدل تنظيم ورشات حوله تمهيدا لإحالته إلى البرلمان.
الجدل الدائر هذه الأيام بين أوساط العامة والمثقفين وقادة الرأي ترافقه تحركات رسمية لنقاش النص، في ظل زيارة تؤديها بعثة أممية مختصة في حماية المرأة والفتاة لموريتانيا هذه الأيام، وتستمر عدة أيام، تلتفي خلالها العديد من المسؤولين الرسميين، والناشطين الحقوقين.
وسبق للحكومة أن قدمت النص أمام البرلمان في العام 2017، حيث واجه رفضا برلمانيا وشعبيا واسعا، وخصوصا داخل اللجنة البرلمانية التي تولت دراسته تحضيرا لعرضه في جلسة علنية، وهو ما دفع الحكومة حينها لسحبه.
وفي العام 2018، أعادت الحكومة الكرة مرة أخرى، وواجه مشروع القانون نفس الممانعة والرفض الشعبي والبرلماني، لتقرر الحكومة مرة أخرى سحبه بسبب ما أثاره من جدل داخل البرلمان، وكذا خارجه بسبب مخالفة بعض مضامينه لنصوص الشريعة الإسلامية.
وعادت الحكومة مايو 2020 لتصادق خلال اجتماع استثنائي على مشروع جديد للقانون، غير أنها لم تحله إلى البرلمان إلى البرلمان، فيما بدأ نقاشه مجددا بالتزامن مع ورشة تحسيسية نظمها وزارة العدل حول المشروع الجديد.
نص جديد
جاءت مسودة القانون المتداولة حديثا في ستة فصول و55 مادة، تطرقت لتحديد موضوع القانون، بالإضافة لمجالات الحماية والعقوبات والإجراءات.
وقدمت المادة الثانية من مسودة القانون تعريفات لعشر مصطلحات تم ذكرها في مشروع القانون، من بينها العنف ضد النساء، والعنف الجسدي، والعنف النفسي، والعنف الاقتصادي، والاغتصاب والتحرش الجنسي.
ونصت المادة 55 والأخيرة من المسودة على أن "هذا القانون يلغي جميع الأحكام السابقة المخالفة".
رفض واسع ومتجدد
ومع تداول مسودة القانون إبان تنظيم وزارة العدل الأسبوع الماضي لورشات تناقش النص ظهرت أصوات من داخل الورشات وخارجها ترى مناقضة النص لقيم الشرع الإسلامي وثوابت المجتمع.
النائب البرلماني عن حزب "تواصل" عزيزة بنت جدو قالت في تصريح لقناة الأسرة على هامش ورشات وزارة العدل، إن النص القانوني ما يزال يحتاج تهذيبا في عمومه لوافق الشرع وقيم المجتمع.
ذات الموقف تبناه النائب البرلماني عن حزب الإنصاف زين العابدين المنير في تدوينة على حسابه في فيسبوك، مشددا على أن مسودة القانون التي حضر نقاشها "تسلب المسلم حقه في ممارسة حياته وفق ما أحل الله له".
ومن جهته قال الشيخ القاضي أحمد شيخنا ولد أمات إنه دعي لمنتديات نقاش مسودة النص لافتا إلى أن القانون يناقض في مواده قواعد شرعية ثابتة بالنص.
وأضاف ولد أمات أن مسودة القانون تجرم أفعالا من مقتضيات القوامة الشرعية، وتجيز أخرى تناقض مبادئ المجتمع وأخلاقه.
المحامي والخبير القانوني محمد المامي ولد مولاي اعل وصف مشروع القانون الجديد بأنه "متحور جديد من قانون النوع ذو قدرة فائقة على التخفي خلف المصطلحات الشرعية"، فيما استعرض المحامي في تسجيل لاحق ملاحظات تفصيلية على مشروع القانون من أبرزها عدم تجريمه للزنا، وتخفيفه لعقوبات تتعلق بالاغتصاب والاختطاف عن العقوبات التي كانت موجودة في قوانين أخرى.
ترحيب ودعم
ومقابل رفض واسع - شارك فيه علماء ودعاة ومحامون وخبراء قانون فضلا عن عدد كبير من الكتاب والمدونين - قوبلت مسودة النص الجديدة بترحيب لدى عدد من الشخصيات ونشطاء التواصل الاجتماعي، وعبروا عن حاجة الترسانة القانونية الوطنية لها.
المحامي والنائب العيد ولد امبارك كتب على صفحته بموقع فيسبوك معتبرا القانون "ضرورة ملحة ويسد فراغا قانونيا طالما طالبنا بسده".
وطالب ولد امبارك من يعارضون القانون "ببسطه مادة مادة وفقرة فقرة" مضيفا: "وأقول إنهم لن يجدوا فيه أي مقتضى مخالف للقرآن ولا السنة".
من جهتها رأت الناشطة الحقوقية حوراء احميدة أن وجود قانون يحمي المرأة من "ظلم (الأب، الأخ، الزوج، الابن، الرجال الآخرين) مطلب مشروع لكل امرأة أو فتاة"، مضيفة أن المرأة "مواطنة تجب حمايتها بنصوص قوانين وطنية واضحة وصارمة، ومن غير المقبول أن تبقى حقوقها تحت رحمة هوى أو مزاجية فرد آخر أو مجموعة".
وزير في السجال
ومع تداول مقاطع صوتية وبروز سجال وتذمر من مسودة القانون دون وزير الشؤون الإسلامية والتعليم الأصلي الداه ولد سيد اعمر طالب على صفحته في فيسبوك، لافتا إلى أنه "لا وجود لما يسمى قانون النوع"، مؤكدا أن "الموجود هو مشروع قانون العنف ضد المرأة".
وأضاف ولد سيد اعمر طالب في تدوينته التي عنونها بـ"توضيح"، أن مشروع القانون "أُرسل لهيئة العلماء لتبيين الرأي الشرعي فيه، والقول الفصل فيه سيكون للعلماء فلا تتعجلوا".
وردا على منشور الوزير، علق النائب البرلماني عن حزب الإنصاف الحاكم عبد الرحمن الصبار قائلا: "السيد الوزير أنتم أدرى بكل الأمور، وتعلمون أن تغيير الاسم لا يعني تغيير المسمى"، مردفا أن "القانون منشور سابقا يوم أن كان اسمه قانون النوع صراحة، ومنشور الآن بعد بعض التغييرات التي منها تبديل الاسم"
وكان النائب ولد الصبار هو من تولى إعلان سحب الحكومة لنسخة القانون من النقاش أمام البرلمان يوم 25 ديسمبر 2018، حيث كان يتولى حينها رئاسة لجنة الشؤون الإسلامية في البرلمان.
ويأتي السجال الحاصل حول "قانون النوع" بالتزامن مع زيارة يؤديها وفد أممي معني بحماية المرأة والفتاة، قابل خلالها حتى ضحى أمس الثلاثاء عدة وزراء من بينهم وزير العدل ووزيرة الشؤون الاجتماعية، بالإضافة لمفوض حقوق الإنسان.