إن الأمة الإسلامية اليوم وهي تكابد كل هذه الحروب والفتن المظلمة كقطع الليل، وتتجرع كل هذه المصائب الثلاث: تحريف الغالين والمتنطعين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، تجد نفسها في أمسِّ الحاجة إلى أمثال الإمام المجدد العلامة عبد الله بن بية، حفظه الله، بل إنها بحاجة إليه وإلى أمثاله من العلماء الأولياء قبل هذا، وبعده، وفي كل لحظة وحين، قال الإمام أحمد، رحمه الله: «الناس إلى العلم أحوج منهم إلى الطعام والشراب؛ لأن الرجل يحتاج إلى الطعام والشراب في اليوم مرة أو مرتين، بينما هو في حاجة إلى العلم بعدد أنفاسه». لقد كان الوالد الشيخ بن بية في كل دعوته، على الدوام، مثالاً للتحقيق والتوثيق، ومثلاً أعلى في الوسطية والاعتدال وامتثال ما أمر الله به -نحسبه كذلك ولا نزكي على الله أحداً- هذا مع رفق وحكمة وموعظة حسنة، في توجيهه للأمة الإسلامية، وتبيانه للأحكام الشرعية، مع العدل في القول والحكم، واستحضار الشواهد، واستصحاب المقاصد الشريفة الميسرة التي هي أساس الشريعة المطهرة. وفي طرحه الفكري والدعوي يتجسد على أفضل نحو مفهوم ومقصد الوسطية التي أنعم علينا بها ربنا سبحانه وتعالى، إذ جعلنا أمة وسطاً، ولم يجعل علينا في ديننا حرجاً ولا مشقة وفرطاً. وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أنّه لا يصح إطلاق مصطلح الوسطية على أمر إلا إذا توفرت فيه الملامح التالية: 1- الخيرية: وهي تحقيق الإيمان الشامل، يحوطه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. 2- الاستقامة: وهي لزوم المنهج المستقيم بلا انحراف، فالوسطية لا تعني التنازل أو التميع أبداً. 3- البينية: وذلك واضح في كل أبواب الدين، فالصراط المستقيم بين صراطي المغضوب عليهم والضالين. 4- اليُسر، ورفع الحرج: وهي سمة لازمة للوسطية. 5- العدل والحكمة: وقد فسر النبي صلى الله عليه وسلم الوسط بالعدل، وذلك هو معنى الخيار؛ لأن خيار الناس: عدولهم. وقد قال الله سبحانه وتعالى: «إن الله يأمرُ بِالعدل وَالإحسانِ»- 90 سورة النحل. وقد تجسد كل هذه الخصائص والملامح في منهج الشيخ بن بية، حفظه الله، وهو منهج رشيد سديد، يضع مصالح المسلمين وحفظ أنفسهم، وتحقيق مقاصد دينهم فوق كل اعتبار. وهو منهج سلمي إنساني يراعي القواعد الإيمانية، والمقاصد الشرعية لتعزيز السلم في المجتمعات المسلمة. وأولى هذه القواعد وجوب دخول المؤمنين في السلم كافة، وتعارفهم وتعايشهم وتعاونهم على البر والتقوى وعمارة الكون. ومنها أن دفع المضار مقدم على جلب المصالح، هذا إن كان متفقاً أصلاً على أنها مصالح، فما بالك إن كان مختلفاً عليها أو اشتبهت وتأدَّت إلى المفاسد. ومن القواعد المرعية أيضاً أن حفظ الموجود أوْلى من طلب المفقود. وأن ارتكاب أخف الضررين واجب شرعاً في أوقات الضرورات، لسد الذرائع، ودرء المفاسد. ولاشك أن أحد أهم أسباب المحنة التي تمر بها الأمة المسلمة اليوم هو تصدُّر بعض المتأدلجين من الفقهاء السياسيين في وسائل الإعلام وإحاطتهم بهالة من الدعاية المجانية يشيعها بعض محازبيهم السياسيين عنهم حتى يوهموا العوام بأنهم علماء ودعاة ومفكرون وباحثون لا يشق لهم غبار، في حين أن تحصيلهم من العلم بالأحكام الشرعية قد يكون عادياً، وحظهم من الفهم والتبصر وسعة الأفق والتسامح والامتثال لداعي التناصح قد يؤدي به التسيس إلى أن يصير أثراً بعد عين، وزادهم من التقوى -وخير الزاد التقوى- لا أثر ولا عين! وأخشى ما نخشاه أن يكون بعض أولئك الفقهاء- السياسيين هم الدعاة على أبواب جهنم الموصوفون في الحديث الشريف، وهم من كبكبوا الأمة اليوم في مهاوي الفتن وأتون المحن، ودمروا عدة دول مسلمة، وقتل بفتاواهم المجتزِئة المجترئة على استرخاص سفك الدماء المعصومة أكثر من مليون مسلم في فتن ما زال بعضها مضطرماً حتى الآن. هذا في حين أن الأئمة الأجلاء العاملين الصالحين الراسخين في العلم كشيخنا الوالد عبد الله بن بية، حفظه الله، لا يكادون يجدون فرصة إعلامية لتوصيل رسالتهم الربانية إلى الأمة، ونشر منهج التجديد والترشيد، والدعوة إلى السلم والمحبة والمحجة البيضاء في وسطية واعتدال، وامتثال لما أمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، لا لشيء إلا لأنهم لم يفرقوا دينهم شيعاً وأحزاباً، ولم يعطوا الدنيّة في الدين للسياسة، ويربأون بأنفسهم عن التهافت على التماس الظهور في وسائل الإعلام، ولا يراؤون أهل البدعة، ويتقون الوقوع في شبهات الرياء والسمعة. وأين الفقهاء المتسيسون من هؤلاء العلماء الربانيين: ليس الخـلائـقُ كلـُهـم أكـفـــــــاءُ.. لا يستوي الجهّــال والعـــلـمــــــاءُ لا يستـوي نبـعٌ تـرقـــــرقٍ مــــــاؤهُ.. يروي الأنـــامَ، وصخرة صـمــــــّاءُ حقاً إننا نحن الشناقطة فخورون بشيخنا الإمام المجدد شيخ الإسلام عبد الله بن بية، فبمثله نتِيهُ ونفخر على المشرقين والمغربين، ما شاء الله: ما الفخــــر إلا لأهل العلم إنهم... على الهدى لمن استهدى أدلاء
حسن احريمو