عندما يكذب الرائد أهله.......

جمعة, 2022-05-20 13:21

تتطلب عملية اتخاذ القرار بشأن أي موضوعلاستعلام - بداية - عن البيانات الموثقة المتعلقة به، والاستخبار عن المعلومات الدقيقة المرتبطة بكل حيثياته. وبقدر الاطمئنان إلى دقة وموضوعية تلك البيانات والمعلومات ونصح وأمانة مصادرها، يتحدد مستوى الثقة المسبقة من صواب القرارات المبنية عليها. لذا، تجتهد الدول عادة على الاستثمار في مراكز البحث والمعلومات والرصد والإحصاء، وتنفق بسخاء على أجهزة الاستخبارات، وتخصص ميزانيات ضخمة لتكوين الموارد البشرية القائمة على التسيير.

 

وقد مثل تسريب التقرير المعزو لوزارة الداخلية الموسوم بـ"الخريطة السياسية الوطنية 2022"، مناسبة للتساؤل بإلحاح مبرر - كما شاهدنا في وسائل التواصل الاجتماعي - عن مدى تمثل إداراتنا لهذه المبادئ، خصوصا أن الوثيقة نسبت - صدقا أو تخرصا حسب الوزير - لإحدى أهم وزارات البلاد إمكانات بشرية ومادية وأكثرها قربا إن لم أقل احتكاكا - على الأقل وفق ما هو مفترض - من المواطن.   

 

وإذا كان رئيس الجمهورية قد عبر مؤخرا عن امتعاضه المفهوم والمقدر من أداء مختلف الإدارات، خصوصا الإدارة الإقليمية، فإن هذه الوثيقة التي اطلعت على جوانب منها، لا سيما الجدول المتعلق بالحوض الغربي، قد سلطت الضوء على المستوى المتدني لكفاءة تلك الإدارات والمنسوب المرتفع لانخراطها في تخندقات واصطفافات الطبقة السياسية، وشككت حتى بنصحها لمن وثق بها وقلدها وظائفها، بل بولائها لوطنها وشعبها صاحب السيادة الذي حمل من عينوها مسؤولية اتخاذ القرارات نيابة عنه.

 

لقد بدت الوثيقة الفضيحة - كما يحلو لبعضهم أن يسميها - سقيمة ومهلهلة وغير متناسقة في شكلها ومبناها، هزيلة وضامرة في مضمونها، مفتقرة للمعلومات الصادقة، خالية من التحليلات الحاذقة، عصية على الفهم من حيث تفسير نيات معديها، منحازة بل مائلة إلى حد ينذر بالسقوط إلى أطراف بعينها، متهافتة في استنتاجاتها وخلاصاتها.. فحينا تراها تضخم أحجام وأوزان فاعلين سياسيين معينين، وأحيانا تتحامل على آخرين وتتوقع اضمحلال تأثيرهم، وأحايين أخرى تتجاهل أو تغيب أو تنكر وجود فاعلين سياسيين من نفس المنطقة.. كل ذلك دون دليل مقنع.

 

والواقع أن نتائج آخر استحقاقات انتخابية لا تؤيدها، ولا مخرجات عمليات انتساب الأحزاب تسندها، ولا تجليات المناسبات الحزبية تؤكدها، ولا حقائق التاريخ تعضدها.

 

وحيث إن من أعدوا هذا التقرير لم يشرحوا لنا طريقة سبرهم لآراء الناس، فمن حقنا الاستفسار: علام بنوا ما ذهبوا إليه في تقريرهم يا ترى؟ وكيف تعاملت معه الجهات المفترض استغلاله من طرفها.. تلك الجهات التي عهدنا إليها بالتحكم في مصائرنا؟

 

وهل على هذا النحو نساس وتدار بلادنا؟

إن كان ذلك كذلك فربما تكون مزية تسريب هذا التقرير أن نعرف أحد أسرار تخلفنا عمن حولنا من الدول، وساعتها يجب أن نرتب على ذلك ما ينبغي ترتيبه من قرارات، وإلا فسنواصل تشبثنا بالموقع الذي نقبع فيه في ذيل الأمم، فذاك مصير من ارتضوا الركون إلى رائد درج على أن يكذبهم متسليا بجريهم وراء السراب