تهيئة المستقبل...تبديد الوهم ح (4) عبد الله ولد حرمة الله

ثلاثاء, 2022-05-17 20:35

 

" تشيد واشنطن بجهود موريتانيا في معالجة قضايا حقوق الإنسان طويلة الأمد (..) تتطلع الولايات المتحدة إلى سنوات عديدة أخرى من التعاون فيما يتعلق بالأولويات المشتركة في السعي لتحقيق الازدهار لجميع الموريتانيين". 

وزير الخارجية الأمريكي انتوني بلينكن/ الأحد، 28 نوفمبر 2021

بفضل تضحيات الموريتانيين تشكل إجماع وطني حول تبني عقيدة رفض الاسترقاق ونبذ مخلفاته، ليُخرس ترسيم التجريم المتخاذلين من سدنة الرجعية والمقتاتين على أوهام بددها غول الدولة الحاضنة للجميع والحامية لكرامة الأفراد وطمأنينة المجموعة الوطنية ذات المصير المشترك.

لا توجد عبودية أفضل من أخرى أو لا تستحق الحديث عنها ومداهمتها في عقر دارها لتخليص الضحايا المستسلمين لمأتم المشاركة في إخفاء الظلم.
 
تم تشييد الإقطاع الزنجي عبر اقتصاد عرق وريع تجارة الرقيق وإرساء نظام حيوي وقاهر للعبودية لا يزال ساري المفعول، خصوصا الأرقاء في مجموعة الهالبولار " ماكوبي"، و " كومو" على مستوى السوننكي، و " جام" من رقيق الولوف.

يفتقر تاريخ مسار المجتمعات البشرية الطويل نحو رحمة الحرية لإرساء مظاهر وآليات الحيف الاجتماعي كهوية بديلة عن الثقافة المتداولة بين أفراد المجموعة، فالظلم الاجتماعي الذي تجرعه العبيد في أوروبا وإفريقيا، لم يشكل أبدا عائقا ولا حتى معضلا أمام انتسابهم لمجتمعاتهم ومواصلة نضالاتهم المشروعة لاستيفاء مكانتهم باستعادة الكرامة وولوج عالم الأحرار بأريحية، دون منة، في مجموعاتهم الثقافية.

بعد تحمل الجمهورية مسؤولية جميع أشكال العنف الممارس على بعض المكونات الوطنية، يترتب بإلحاح حصر المسؤوليات التاريخية للخروج من قمقم البغضاء، بجمع شتات ذاكرة الاسترقاق عبر تأريخ موضوعي يدرس للأجيال ويروى على مسامع العالم، ليتسنى للمجتمع المدني متابعة القوى الاستعمارية أمام القضاء الدولي بتثبيت مسؤولياتها عن جرائم العبودية والعنصرية وإلزامها بالتعويضات المعنوية والمادية المترتبة عن مسؤولياتها التاريخية المباشرة والعابرة لأدبيات وإجراءات التقادم.

تحفظ ذاكرة العلوم الإنسانية، فظاظة احتلال المستعمر البرتغالي لحوض آركين في القرن الخامس عشر وإعلانهم الأرقاء "سلعة تجارية"، واستغلال زعماء مجتمعات الغرب الإفريقي كشبكة لبيع وشراء العبيد؛ كذلك إثراء بقية القوى الاستعمارية الأوربية لأساليب وغايات الجرائم ضد البشرية وتسيير قوافل العبيد، بعد أن أخذت إسبانيا محل البرتغال وأحكمت سيطرتها على تجارة الرقيق، قبل قدوم الهولنديين الذين سيروا أول قافلة من العبيد باتجاه الولايات المتحدة الأمريكية في ثالث أيام أغسطس من العام 1619؛ لتسيل لاحقا المنطقة لعاب المملكة المتحدة وفرنسا بالسيطرة على ميناء  " اندر " 1638 للشروع في تهجير شباب القارة كوقود لاقتصاد قوى الاستعمار الامبريالي.

من المناسب كذلك لتعزيز مكتسباتنا من الحرية والمساواة أن نستل من دواليب النسيان تاريخ نضال إماراتنا و نخبنا العلمية والصوفية، الملحمي في مواجهة الغرب الاستعبادي، بالسيف و فتاوي تجريم قضاة حواضر أرض شنقيط، ذودا عن كرامة شعوب القارة عبر تيار فكري نظر لمحاربة العبودية و اطلع بمسؤوليات أمن واستقرار المنطقة في مواجهة أكبر عمليات النخاسة في تاريخ البشرية مابين القرن الخامس عشر و الثامن عشر، بإحياء تراث الفقه المالكي الأندلسي و التصدي لظاهرة " استرقاق الأحرار"، عبر القرصنة والإختطاف.

غذت مبكرا النخب الفرانكفونية من بين نشطاء FLAM المنحدرين من أصول إقطاعية زنجية، مشاعر الازدراء وخطاب الكراهية اتجاه العرب السمر، إثر الموقف الرافض للمشاركة في أحداث 1966 الدامية ضد اللغة العربية، كما أثار الإعلان عن إنشاء حركة " الحر "، غضبا جماعيا شمل قادة وقاعدة FLAM، حيث سعت الحركة من الناحية الاستراتيجية إلى "دق الإسفين" بين مكونات الأغلبية العربية، وهو ما مكنهم من استمالة نشطاء من الصف الثالث، بعد يأسهم من محاولات الوصاية والتأثير على القيادة التاريخية لحركة " الحر"
التي ضمنت ميثاق الحركة أهداف وأساليب معالجة المشكل الثقافي، مع التأكيد بوضوح على الخصوصية الثقافية للعرب السمر وتشبثهم باللغة العربية بغض النظر عن لون البشرة.

وزعت FLAM مابين إبريل مايو  1990 منشورا يقر " إلحاقها" للعرب السمر بالأقليات الزنجية "نداء إلى الإخوة الحراطين Appel aux frères haratin " ، يستجدي " التضامن "، ويدعوهم إلى رفع السلاح ضد إخوتهم العرب. كانت ردة فعل نخب العرب السمر غاضبة إلى أبعد الحدود ورافضة لما اعتبرته ترويجا لمغالطات خطيرة.

اعتبر الزعيم التاريخي لحركة " الحر" مسعودولد بلخير أنه من أوجه الخلاف الجذرية بينه و FLAM، تمسكه بالتغيير " دون روح انتقامية و خارج كل أشكال العنف"، وعبر بوضوح عن رفضه "أخوة" اللون، "بعد الاطلاع على أول منشور لحركة FLAM، أدركت أنني لا أتقاسم معهم مجمل الأفكار الواردة فيه، وبصفة خاصة تلك التي تفرق بين الموريتانيين على أساس اللون،  وتقديم أنفسهم كمدافعين أو حماة للحراطين. مع أن محرري البيان لم يسبق لهم الانشغال بمصيرهم ولا التقرب سياسيا منهم، قبل الآن"، و اعتبر مطالبهم مجرد ذريعة، "في ذلك الوقت، كان القول بإقصاء الزنوج مبالغ فيه إلى حد ما".

حديثا، قال الزعيم التاريخي لحركة " الحر" والرئيس السابق للجمعية الوطنية مسعود ولد بلخير، في مقابلة مطولة مع صحيفة Le Calame الناطقة باللغة الفرنسية في العام 2020، إنه يعتز بانتمائه العربي، واستطرد، "لست فلانيا ولا سونينكيا ولا وولوفيا". واعتبر محاولات فصل " الحراطين " عن الأغلبية العربية، " طرحا مغلوطا "، مؤكدا أن محاولة إسقاطه على الأرقاء والعبيد السابقين في مكونات الأقليات الزنجية، يكفي لإيجاد الجواب المناسب لهذا السؤال الغير وارد. وأضاف، للإجابة على هذا السؤال بطريقة أكثر وضوحا، بالنسبة لي، رغم أن بشرتي ليست بيضاء؛ "ورثت ثقافة البيظان ولغتهم وطريقة حياتهم التي أصبحت الآن ملكي بكل المقاييس وبدون أي غموض"، مشددا على أنه باعتبار عروبة البيظان، " فأنا أيضا عربي (..) أشترك معهم في  الثقافة الحسانية التي أعتبرها شخصيا، و بكامل الوعي، ثقافة عربية اعتز بها"
 
ووصف الزعيم المعارض من يقف وراء هذا " الجدل الزائف" متنكرين لهويتهم أصبح، "شغلهم الشاغل هو أن يتحولوا إلى أوروبيين أو أمريكيين ... إذا لم يكن تحولهم قد تم بالفعل".  

وبخصوص مقاطعته لنشاطات " ميثاق الحراطين "، قال الرئيس السابق لحركة " الحر"، لست بالضرورة، " (..) مغفلا للموافقة طواعية على استبدال مكانتي كرائد مقابل ... لا شيء".
وكان رئيس حزب التحالف الشعبي التقدمي انتقد في وقت سابق خلال مهرجان جماهيري لحزبه وسط تصفيق حار من مناضلي ومنتسبي التحالف، التشكيك في عروبة الحراطين، وقال في حالة بادية من الغضب إنه يخاطب في هذا الصدد " البيظان" و " الزنوج"، " فرنسا"، " آمريكا"، و كافة الإنس والجن، وأضاف " الحراطين، عرب بحكم لغتهم وثقافتهم (..) يتحدثون العربية ويركبون الإبل ويطربون للموسيقى العربية الحسانية"، واعتبرهم " عربا، من أفضل العرب، يفتخرون بانتمائهم و لا يمكن لأحد أن يمن عليهم عروبتهم".

وقد اعتبرت صحيفة " العربي الجديد" اللندنية الصادرة في التاسع عشرمن نوفمبر 2015 ، أن " مسعود ولد بلخير؛ أحد أبرز رموز التيار القومي الناصري في موريتانيا، ينتمي إلى مجموعة الحراطين".

كشف الوزير السابق والوجيه والقيادي في حركة " الحر"، بيجل ولد هميد في تصريحات صحيفة نشرت شهر إبريل من العام 2021،   أن الهدف الاستراتيجي لنضالهم كان اجتماعيا بالأساس، وليس حصرا للضحايا التاريخيين  للاسترقاق في إطار ضيق لبعض الصفات البيولوجية واللون واستبدال تراثهم بالتهريج الفلكلوري و ثقافتهم العربية بهوية مصطنعة متنافية مع مرجعيتهم القومية الثابتة كعرب ومسلمين؛ واستهجن كذلك استخدام مصطلح " الحراطين " خارج آليات البحث التاريخي لتسمية العرب السمر، الذي لجأت إليه الحركة في إطار " الإثارة السياسية "، ويعتبر تمهيدا لمؤامرة " التقسيم الفئوي"، مشددا على ضرورة التقيد بالانتماء الحصري للأغلبية العربية الحاضنة لخصوصيات التنوع  الثري للمجموعات القبلية التي تقف عصبيتها حاجزا أمام الترابط الأزلي بين اللون والتفاوت الاجتماعي، خلافا للأقليات الزنجية، معتبرا أن هذه الحقائق الانتروبولوجية و السوسيولوجية العنيدة معتمدة منذ الأزل من طرف الإخوة الأفارقة في دول الغرب الإفريقي.

وكان الزعيم السياسي بيجل بن هميد قد اعتذر عن مواكبة إطلاق "ميثاق الحراطين" مؤخرا معتبرا المبادرة مجانبة للانصاف ومنذرة بالتشرذم وفك عرى لحمة المجتمع، وأضاف متهكما أن الأمر يستوجب منه في الوقت ذاته الانتماء لمواثيق عدة خاصة ببقية مكونات المجتمع،  كميثاق " الزوايا" وآخر خاص بمجموعة " بني حسان"، و " الصناع التقليديين" و " الزنوج" ؛

يزخر نشر FLAM بحملات الاستهداف الشخصي لقيادات العرب السمر ونعتهم بأبشع الأوصاف، بصفة دائمة والتحريض ضد استقلاليتهم وتمسكهم بهويتهم وتراثهم. لم يسلم من شملتهم رحمة الخالق من " أدب الانتقام " المتداول في شبكات التواصل الاجتماعي على نطاق واسع، حيث تبارت توقيعات القيادات والأسماء المستعارة في رسم وتدوين حبور الحركة بوفاة المغفور له الوزير السابق محمد الأمين ولد أحمد الذي اعتبروه "عدوا حقيقيا" بسبب دفاعه عن الهوية العربية الإسلامية للشعب الموريتاني.

تحدثت عدة مصادر صحفية وأمنية، أكدتها لاحقا اتهامات "الكتاب الأبيض"  في العام  1989، عن "مسؤولية السلطات السنغالية المباشرة في الاعتداءات التي تعرضت لها أرواح وممتلكات الموريتانيين في داكار وضواحيها بإشراف مباشر من قيادات FLAM و مسلحين أشرفو على تأطيرهم".

كشفت لاحقا حركة  FLAM في بيان صدر في الرابع من شهر أغسطس 2014، موجه للصحافة السنغالية، أنهم زودو سلطات دكار بالأخبار والمعطيات والوثائق الضرورية لفهم طبيعة نظام نواكشوط والشعب الموريتاني، " في هذا الصدد، كانت لدينا اتصالات مدنية وعسكرية وسياسية وصلت إلى أعلى مستوى في الدولة، خصوصا مع جان كولين، وزير الداخلية إبان اندلاع أحداث عام 1989، والذي حافظنا على سرية علاقاتنا به المبنية على الثقة المتبادلة"، وفي المقابل، " احتضنتنا السنغال ووفرت لنا الحماية" حسب نفس البيان الذي حمل توقيع أمينها العام ببكر دياغانا والناطق السابق باسمها سيري باه.

لازالت شبكة " ويكيبيديا " تحتفظ بتفاصيل بشاعة استهداف العرب السمر، " أحرقوا أحياء داخل أفرانهم" بما فيهم حاملي جنسية البلد، حيث "تم تقتيلهم ببرودة أعصاب في عملية انتقامية مريبة وتناثرت جثثهم الفارغة من الحياة على جنبات شارع بورقيبه في العاصمة دكار التي سالت دمائهم في جميع أحيائها وبالولايات الداخلية كذلك، خصوصا كولخ،  تياواوون".

طال الانتقام الأبرياء في " شمامه" وعلى الشريط الحدودي، الذين فقدوا أرواحهم وثرواتهم خلال الغارات التي نفذتها حركة FLAM ضد شعب موريتانيا على مدى ثلاث سنوات، على الأقل، مابين 1989 و 1992 والتي تسببت في سقوط ضحايا أساسا من العرب السمر، الذين فقدوا كذلك في السنغال اعتبارهم وكرامتهم و أرواحهم وممتلكاتهم.

حديثا، جندت حركة  FLAM طيلة شهر سبتمبر من العام 2021، إضافة إلى نشطائها، بعض أعضاء الجاليات الإفريقية في نيويورك وباريس ودكار، للاحتجاج ضد تسمية الجنرال  اعل زايد ولد امبارك على رأس بعثة الأمم المتحدة لحفظ السلام في وسط إفريقيا، والذي جاء اعترافا بالدور الريادي للجيوش الوطنية خلال مشاركاتها المتكررة في تأمين واستقرار القارة. وقد أفرج عن الحملة التي لم تؤثر في القرار الأممي، برسالة شخصية من رئيس حركة FLAM موجهة للأمم المتحدة تجسد مشاعر الإزدراء والكراهية، خلصت إلى أن الجنرال ولد امبارك المنحدر من أصول العرب السمر " غير مؤهل لشغل هذه الوظائف السامية". نالت حملة FLAM من سمعة البلد وشرف القائد العسكري الميثالي، حسب شهادات نظرائه في جيوش المنطقة والعالم.

تقدمت حركة FLAM في الرابع من يونيو 1999 بشكاية كيدية ضد الضابط اعل بن الداه، مثل فيها الطرف المدني عضوين من الجناح المسلح للحركة، ليتم توقيف الضابط الذي ينحدر من أصول العرب السمر في الثاني من يوليو من نفس السنة في مدينة " مونتبليي "، حيث كان يتابع تكوينا عسكريا في فرنسا. وقد وجهت له تهم " التعذيب" و " الأفعال الهمجية "، من طرف أشخاص لم يسبق أن قابلهم ولا حتى تعرف عليهم طيلة حياته، ليتم حبسه احتياطيا لمدة ثلاثة أشهر، حيث وضع لاحقا تحت الرقابة القضائية، لتتمكن الدولة الموريتانية من تنظيم عودته إلى البلاد إثر اتفاق مع السلطات الفرنسية، التي وجدت نفسها محرجة أمام محاولة انتقام سياسي، نالت من مصداقية القضاء في فرنسا.

أكد الصحفي السنغالي Barka Ba أن رئيس  IRA، "استفاد كثيرا وبطريقة أكثر سرية بداية دخوله السياسة من دعم شبكات الشتات المكونة من أعضاء FLAM الراديكالية"، واعتبره المحلل السنغالي الذي كان يتحدث لنسخة Dakar Actu الصادرة في السادس من يوليو 2019، بارعا في قدرته على التأقلم، " يعرف كيف يكون شعبويا أو مهددا أو تصالحيا، انطلاقا من الظروف التي يراها مناسبة".

وتحدث الصحفي كذلك عن صدمته خلال الانتخابات الأخيرة التي كشفت عن دعمه من شباب ومراهقي الزنوج، "المزيد والمزيد من الشباب الأفارقة السود الهالبولار يرون في (..) القائد القادر على إسقاط نظام الميز العنصري"، مؤكدا أنه " انتزع غالبية ناخبي مرشح الزنوج"،  وانه "في طريقه إلى تحقيق تحالف الحراطين/ الزنوج لإنهاء هيمنة العرب".

في رسالة مفتوحة نشرتها منظمة العفو الدولية في الحادي عشر من نوفمبر  2015 ، قال رئيس IRA إن الحراطين، لا علاقة لهم بالعرب ولا حتى ثقافتهم، بل مجرد " أفارقة سود أخضعوا للعبودية من طرف أباطرة العرب و البربر"، مؤكدا تمسكه بهوية "عشرات الملايين من أحفاد العبيد الذين يشكلون الشتات الأسود الكبير في العالم العربي"، ملفتا الانتباه إلى أنه "لا يزال الموريتانيون السود يعيشون تحت وطأة القمع والازدراء والعنصرية من طرف أقلية عرقية ودينية تواصل نهب الثروة ، وتكديس الموارد وفرض سلطتها".

تناولت الصحافة الفرنسية في تغطية خاصة طواف رئيس IRA في شهر مايو من العام 2016، بغرب إفريقيا لتحريض الناشطين السياسيين والحقوقيين ضد ما أسماه " اضطهاد السود" في موريتانيا، من طرف " الأقلية العربية المهيمنة"، حسب Le Monde Afrique، في نسختها الصادرة يوم السابع من أكتوبر من نفس السنة.

نقلت الواجهة الرقمية للإعلام العمومي الفرنسي France Télévision في الثاني من يوليو 2018، عن رئيس IRA تأكيده في رسالة مفتوحة موجهة للرئيس الفرنسي أن موريتانيا "لا زالت تمارس التطرف الديني والميز العنصري ضد الحراطين عن طريق قوانين النخاسة التي تحكم البلد"، ويضيف، "تشكل العبودية والعنصرية ضد السود والتطرف الديني في موريتانيا أوجها مختلفة لنفس القمع"، ليخلص إلى نبذ المحاظر عبر استهداف صريح، "تحولت مدارس العلوم الإسلامية إلى مراكز للتطرف حيث يتعلم آلاف الشباب كراهية الآخر ، ودونية المرأة وواجب إلغاء الوعي بحرية المعتقد والتنوع الثقافي".

وفي يونيو من العام 2017 نسبت France Télévision لرئيس IRA شجبه لما وصفه بكل وضوح بنظام الميز العنصري، " نظام الآبرتايد القائم في غرب إفريقيا، المتمثل في سلطة الدولة الموريتانية، الذي ينتهج كنظام للحكم قمع السود المنحدرين من أصل إفريقي عن طريق العبودية والعنصرية". استنجد بدول وشعوب القارة الإفريقية لإنقاذ " أكثر من ثمانين بالمائة من السود في موريتانيا من غير العرب من ذوي الثقافة الإفريقية، كسكان أصليين، يفرض عليهم اليمين المتطرف اللغة العربية والاندماج في الثقافة العربية"، ويواصل على نفس الوتيرة التشهير بعجرفة، " القمع الثقافي والعرقي" الممارس من طرف بلد " يناهض الحضور الإفريقي".
و يطالب كذلك بتحييد مسؤولية الغرب عن  ممارسات الاسترقاق والعنصرية واعتبارها من مخلفات قهر المشرق العربي الإسلامي، "هناك عشرات الملايين السود من ضحايا تجارة الرقيق الشرقية و تهريب الأفارقة إلى العالم العربي الإسلامي الذين لا زالون يعانون من القمع بسبب لون بشرتهم الموروث عن أسلافهم الأفارقة"، يستطرد في تأليب الأفارقة ضد العالم العربي، "السود مضطهدون في تونس ويعانون من العنصرية في المشرق و الجزائر والمغرب و على إفريقيا تحمل  مسؤولياتها اتجاههم".

طفحت الصحافة الدولية حيرة اتجاه خطاب IRA التي نقلت عنها العربي الجديد اللندنية في نوفمبر من العام 2015 ، "الحراطين زنوج وليسوا عرباً"، وأضافت الصحيفة في نفس المعالجة الإخبارية، "رغم أنهم يتحدثون العربية ويمتلكون المميزات الثقافية نفسها التي تسم عرب موريتانيا".

لا تكاد تغرب شمس يوم في موريتانيا دون أن تبزغ إشراقة موقف رافض من طرف آلاف الشباب في المدن والأرياف، لاستهداف هوية العرب السمر والتنديد بمحاولات أصحاب الأجندات الخارجية المشبوهة النيل من السلم الأهلي.

أعلنت جماعة شبابية وازنة " جبهة الدفاع عن الهوية العربية للحراطين"، في العام 2016  انسحابها من حركة IRA احتجاجا على " التشكيك في الثوابت الوطنية "، ومحاولات النيل من الهوية العربية لمجموعة الحراطين و الحملات الشرسة ضد اللغة العربية في موريتانيا، والتي تكشف خطورة " الأجندات المشبوهة التي تهدد السلم الأهلي والوحدة الوطنية ".

أعلن الإمام محمد فال ولد محمد ولد رشيد ، رفقة ناشطين شباب انسحابهم من حركة IRA في نوفمبر من العام 2016 ، بعد " يأسه من التأثير على خطابها العنيف والعدواني"، حسب إذاعة فرنسا الدولية RFI، كما اعترض على تقييمها لوضعية البلد، معتبرا الحديث عن خضوع 160 ألف شخص للعبودية في موريتانيا، " غير دقيق"، محذرا في الوقت ذاته من خطورة الخلط بين واقع الفقر وحالات العبودية.

في سبتمبر من العام 2020، نشر الإعلام رسالة انسحاب مطولة من IRA وقعها عشرات شباب العرب السمر، من حملة الشهادات والأطر الناشطين في مختلف ولايات الوطن، غيرة على " وحدة الشعب وأراضيه"، ونبذا لهيمنة وكلاء " أجندات أجنبية هدامة"، مكنتهم من تكديس أموال طائلة على حساب السلم الأهلي في البلد.

عقب نفس الانسحابات أعلن القيادي في IRA ومدير حملتها لرئاسيات 2014 في أعرق مقاطعات العاصمة، وعضو طاقم حملة الرئاسيات الأخيرة، وضع حد لنشاطه داخلها بعد " انحراف مسارها النضالي الحقوقي"،  و " الارتجالية في المواقف السياسية "، وخضوعها " لإملاءات خارجية" دون الرجوع للقواعد والقيادات الميدانية، إضافة إلى الاستحواذ على الأموال الطائلة المقدمة لتمويل الحملة الرئاسية.
      
وفي شهر أغسطس من العام 2020، تناولت الصحافة مغادرة غالبية الأطر السياسية الناشطة في حملات IRA وجولات رئيسها في الداخل، مطالبين باعتماد " مراجعة معمقة وهادئة وشاملة؛ بعيدا عن العواطف" لمسار الحركة والأموال التي جمعت عبر العالم باسم الحراطين، إضافة إلى سيادة " الجهوية "، في التعاطي مع منتسبيها في بعض المحافظات و " تخوين " غالبيتهم، والحديث المرفوض عن نظام " الآبرتايد " في موريتانيا، و " تسييس " المشاكل الاجتماعية وإقحام ناشطين أجانب في الشأن الوطني.

في الديمقراطيات التعددية ترسي الجمهورية بقوة القانون هوية الأغلبية ويتكفل التنظيم وخطط التنمية بمظاهر الاختلاف في مجالات الفكر والسياسة والإعلام والاقتصاد؛ باسم هوية المجتمع ووحدة الدولة.

تململنا طيلة عقود خلت في وسط حضري ناقص التأهيل لانسيابية التفاعل الاجتماعي أثر بشكل ملحوظ على جودة العلاقات بين الأفراد والجماعات ومستوى الامتهان المدني لبلوغ مشتركات المصير محيلا التعثر إلى أزمات حادة في ولوج الوعي الحضاري الضروري وإغراق المجتمع في إخفاقات الناس وطمس الهوية الفردية المحدد لطبيعة الروابط بين الأفراد وبيئتهم الحضرية، كأرضية خصبة لإبعاد الخطر وتفتق الإحساس بالاختلاف والشعور بالانتماء لهوية وطنية جامعة.