يوم في الطابور /النهاه ولد أحمدو

جمعة, 2022-04-22 17:45

 

في بيت من بيوت حي "التميشه" في مدينة "كيفه" و في فجر يوم وتر من العشر الأواخر من رمضان مظنة ليلة القدر و في وقت السحر، نهضت " السالمه " من غفوة لم تطل تخللتها كوابيس حفرتها ظروف الحياة اليومية في ذهنها ، لتوقظ ابنتها "زينب" ذات الخمسة عشر ربيعا لتتناولا معا ما كتب الله من رزق على مائدة سحور يوم رمضاني لم يكن فطور سابقه أكثر من كوب ماء و آخر من حساء مشفوعا بابسط وجبة عشاء.

في هذا الوقت ولدى أسرة "السالمه" المكونة إضافة إليها وابنتها "زينب" من إبنيها "محمد" ذي السبعة أعوام و "الشيخ" ذي التسعة أعوام وكلهم ايتام ، كان كل شيئ غائبا إلا الجِد و الإجتهاد في طلب الأجر والصبر و الجَلَد على مواجهة أعباء الحياة.

فبعد الصلاة والدعاء و تناول ما تيسر من سحور ، تعود البنت لنومها إلى جانب أخويها لتبدأ الأم مشوار يوم طويل يصعب أو يستحيل التوفيق بين مهامه و لو في التوقيت على الأقل.

فأول مهمة لدى "السالمه" في هذا اليوم هي الخروج في هذا الوقت المبكر لإحتلال رقم متقدم في طابور سقاية الحي قبل وصول صهريج الماء المحدد الكمية الذي تبرع به أحد الخيرين لإنقاذ أرواح سكان الحي من العطش.

بعد أن تضْمن الحصول - على اكثر تقدير - على ثلاث قنينات بسعة عشرين لترا للواحدة، لا تجد "السالمه" وقتا لإيصالها إلى البيت لأن الوقت اصبح لصالح طابور دكان بيع السمك ، الذي تعني خسارتها لمكانها فيه حرمان عيالها من مادة اللحم طيلة اليوم.

الآن وبعد ان أمّنت "السالمه" 60 لترا من الماء و 1كلغ من سمك "يايْ بويْ " تعود إلى البيت لتجد "زينب " جهزت نفسها و أخويها و خرجوا إلى المدرسة.

تواصل الأم معركة الطوابير ، لتلتحق هذه المرة بطابور دكان "أمل" مؤملة الحصول على ما تستهلكه يوميا من ارز و قمح و زيت و سكر من ارخص عينة وربما غير صالحة للإستهلاك البشري دفعها إليه تخفيض الثمن وضيق ذات اليد. تعود " السالمه" إلى البيت في حدود الثانية عشر زوالا محملة بما شاء الله من رزق ، لتكِل مهمة جلب الماء و إعداد الطعام للصغار إلى "زينب" وتتفرغ هي لتلافي طابور الحالة المدنية ، حيث كان عليها أن تصله باكرا لسحب مستخرج عقد ازدياد للبنت لإيداعه في ملف ترشحها الذي اعلنت المدرسة عن قرب أجل إغلاقه.

في هذه الجولة من الطابور تفشل " السالمه" وليس تقصيرا منها حيث السبب خارج عن إرادتها لأنه عائد إلى انقطاع الكهرباء عن المركز الأمر الذي يعني توقف العمل به نهائيا ، عندها ترى الأم أنه لا وقت لديها لتضيعه فتذهب لتقصّي حقيقة ما يشاع عن توزيع مجاني تقوم به مفوضية الأمن الغذائي لصالح المحتاجين ، لتجد طابورا أضعاف ما شهدته منذو فجر يومها فتأخذ فيه مكانا لتغادره الثالثة بعد الظهر خاوية الوفاض بحجة أنها ليست من المستهدفين المصنفين.

في طريق عودتها تتفاجؤ "السالمه" بطابور جديد لم يكن في الحسبان ولكن هذه المرة لا حظ لها فيه إنه دكان عملية رمضان لبيع السلات الرمضانية و"السالمه" ليس معها ثمن السلة على قلته فتواصل طريقها إلى البيت لتصله محبطة منهكة خائرة القوى.

بعد استراحة قصيرة في البيت مع العيال تخاطب الأم ابنها"محمد " الذي يتابع مع الطبيب علاجات مرتبطة بسوء التغذية قائلة: يابني لم انس أبدا أن اليوم كان موعد مراجعتك للطبيب لكن يا بني تكلفة رسوم المعاينة و وقت الحضور للطابور للحصول على رقم الدخول وانشغالي بمهام اليوم أمور جعلتني أأجل موعدك إلى الغد إن شاء الله. كان الله في عون "السالمه" وجعل غدها أكثر توفيقا من يوما.