خوفا على عربته من السرقة لا يتمكن بائع الفواكه على قارعة ملتقى طرق مدريد بنواكشوط من الالتحاق بأقرانه المحلقين على موائد الإفطار المجانية في الخيمة الخيرية القريبة منه، والتي لا تبعد منه سوى 100 متر.
لكن حاجة "خطري" الماسة للإفطار على حساء ساخن بعد يوم رمضاني شاق وطويل، دعته إلى مخالفة النظم المعمول بها، ليأتي طالبا من القائمين على الموائد السماح له بأخذ فطوره خارج الخيمة إلى مكان عربته.
مواد غذائية لاستخدامها في موائد الإفطار الرمضانية (الجزيرة)
يقول خطري إنهم يترددون دائما لقبول الطلب خوفا من الفوضى، ولكنهم في الغالب يتعاطفون معه ليسمحوا له في النهاية خفية بأخذ نصيبه من الفطور وتناوله إلى جانب عربته، مصدر الدخل الوحيد لديه.
يشكو خطري -كغالبية الشعب الموريتاني- من سوء الأوضاع المعيشية والارتفاع الجنوني حسب وصفه للأسعار وضعف العمل، ويضيف بتذمر باد، "هذه الظروف هي التي دعتني للمرابطة على هذه العربة حتى منتصف الليل رغم قلة عائداتها".
موائد الإفطار في نواكشوط تقام في ساحات المساجد والمستشفيات وعلى جنبات الطرق والساحات العمومية (الجزيرة)
وفي نواكشوط وعلى شرفات المساجد والمستشفيات وعلى جنبات الطرق والساحات العمومية تضرب الخيم هنا في كل سنة مع حلول شهر رمضان المبارك، لتكون ملاذا آمنا للفقراء والمساكين والعابرين.
عشرات الشباب المتطوعين ينخرطون في الهيئات والمنظمات الخيرية لخلق أجواء رائعة من الألفة والمحبة والرحمة بين مختلف أفراد المجتمع، يتولى هؤلاء جمع التبرعات من الخيرين والمنفقين ليجهزوا هذه الخيم ويوفروا فيها كل ما يحتاجه الصائم للإفطار من وجبات وأطباق متنوعة.
مائدة إفطار رمضانية معدة لمرافقي المرضى في أحد المستشفيات في نواكشوط (الجزيرة)
إفطار في المساجد
لم تعد المساجد بموريتانيا حكرا على المصلين وطلاب العلم الذين يحضرون الدروس والمحاضرات، بل أصبحت في رمضان قبلة لعشرات المحتاجين الباحثين عن مكان عام لتأمين وجبة الإفطار في رمضان، حيث تتجه الناس لممارسة عادات اجتماعية أصيلة تدعو لمزيد من التكافل الاجتماعي وتحث على البذل والعطاء فتكثر موائد الإفطار الجماعية بالمساجد والساحات.
موائد المساجد يتولى إعدادها بالتشارك جيران المساجد حيث تتمسك كل أسرة باقتطاع ما يكفي صائمين أو ثلاثة من إفطارها، وتحرص هذه الأسر على أن يتولى أطفالها إيصال الإفطار لرواد المساجد ليتعودوا على فعل الخير والصدقة ويشبون على ممارسة التطوع منذ الصغر.
جمعية "أسعد تسعد" الخيرية تقدم الإفطار لـ30 مرافقا يوميا للمرضى في المركز الوطني للأنكولوجيا (الجزيرة)
يقول أحد القائمين على مسجد جعفر الطيّار المطل على ملتقى طرق تنسويلم بنواكشوط "منذ قديم تقام موائد إفطار بالمسجد، ويرتادها طلبة العلم والعمال وأصحاب المحلات الصغيرة والمحتاجون"، ويضيف أن "هذه الموائد تتشكل فقط مما يرسله بعض الجيران من وجبات وأطباق أو ما يصل من تبرعات من بعض المحسنين".
وفي السنوات الأخيرة بدأت الهيئات الخيرية تسهم في إعداد موائد الإفطار بالمساجد، يقول أحمد سيد أحمد للجزيرة نت مشرف على أنشطة إفطار في جمعية خيرية تدعى "بسمة وأمل" إنهم يوفرون وجبات إفطار يوميا بمساجد عدة في نواكشوط بعضها يستفيد من 200 إفطار، وبعضها 50، حسب موقع المسجد وعدد زواره. مؤكدا أنها وجبات غذائية متكاملة ومتنوعة.
جزء من إحدى موائد الإفطار الرمضاني في موريتانيا (الجزيرة)
موائد الرحمن
خِيم موائد الرحمن المنصوبة وسط العاصمة نواكشوط والتي تشرف عليها جمعية "بسمة وأمل" تستقبل يوميا مئات الصائمين الذين تقطعت بهم السبل والذين لا يجدون قوت يومهم.
في الخيمة المفتوحة للإفطار والمكتظة بالرواد يجلس إسحاق (60 عاما) على مائدة يمتد على طولها عشرات الصائمين بانتظار أذان المغرب، لليوم الثالث على التوالي وهو يفطر بعيدا عن عياله الذين يغيب عنهم يوميا لأكثر من 16 ساعة.
خيام الجمعية في ملتقى طرق مدريد وأمام المستشفيات مفتوحة أمام كل المحتاجين (الجزيرة)
يحكي بألم للجزيرة نت عن أهمية هذه الوجبة بالنسبة له، يقول "تركت ورائي زوجة مريضة لا تصوم وأطفالا صغارا وإفطاري هنا يوفر عليها الكثير من الجهد ومشقة إعداد الفطور، وهو أيضا يعفيني من بعض التكاليف التي أحتاجها في أمور أخرى".
أما أحمد سيد أحمد المشرف على إفطار "بسمة وأمل"، فيقول إن "خيام الجمعية في ملتقى طرق مدريد وأمام المستشفيات مفتوحة أمام كل المحتاجين، وتقدم للوافدين عليها إفطارا متكاملا مكونا من تمر ولبن ومياه معدنية وحلويات وحساء إضافة لطبق رئيسي من اللحم ومن الطاجن الموريتاني"، مضيفا "نستقبل يوميا ما بين 200 إلى 300 صائم ويتزايد العدد مع كل يوم جديد من رمضان".
السكان في رمضان يتدفقون على المساجد حيث تنظم محاضرات يومية تشرف عليها وزارة الشؤون الإسلامية (الجزيرة)
حملة إفطار صائم
وغير بعيد عن هذه الأنشطة ترابط عشرات النسوة طيلة شهر رمضان المبارك في مقر جمعية "قلوب محسنة" لإعداد الفطور لأكثر من ألف شخص يوميا من رواد المستشفيات والأسواق كما تعد إفطارا متكاملا لعشرات الأسر من الأرامل والأيتام.
يقود هؤلاء النسوة حملات تبرع واسعة على شبكات التواصل الاجتماعي وتحمل شعارات من أقوال الرسول -صلى الله عليه وسلم- والذي كان أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان، ومن ذلك قوله "مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ غَيْرَ أَنَّهُ لاَ يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْئًا".
مصلون يتابعون محاضرة في المسجد السعودي بنواكشوط في موريتانيا (الجزيرة)
وفي موريتانيا التي يشكل المسلمون السُّنة فيها نسبة 100% من سكان البلاد، حسب مصادر رسمية، يتدفق السكان في رمضان على المساجد حيث تنظم محاضرات وندوات يومية تشرف عليها وزارة الشؤون الإسلامية تحث على الإكثار من الصدقة في شهر رمضان المبارك الذي تتضاعف فيه الأجور.
وتقام في العديد من المساجد إفطارات جماعية، تشرف عليها بعض الجمعيات الخيرية، كما تسهم الحكومة أيضا في تمويل هذه الإفطارات ببعض المساجد، حيث توزع كميات من المواد الغذائية على أئمة المساجد وشيوخ المحاظر.
فيما يتولى عشرات المتطوعين من الشباب والنساء تحضير هذه الوجبات في مقر جمعياتهم قبل نقلها وتقديمها للوافدين إلى مخيمات الإفطار التي تقيمها الجمعيات الخيرية للصائمين، ومعظمهم من عابري السبيل وذوي الدخل الضعيف والمتوسط.
المصدر : الجزيرة