من يزرع الشوك لا يجني العنب.. ومن يتغاضىعن إصلاح العدالة لا تكون لديه دولـة قانــونما جرى في السجن المدني مساء الثالث والعشرين من يناير أمر خطير وكاشف لحقيقتين جوهريتين ومعروفتين لا بد من التعامل معهما بحزم قبل فوات الأوان.الحقيقة الأولى: هي أن جميع ما تم منذ 2008 حتى الآن من عمل في حقل العدالة لم يشكل خطوة حاسمة في طريق إصلاحها رغم وجود إرادة سياسية لدى رئيس الجمهورية ووعي بأهمية هذا القطاع ومدى استشراء الفساد فيه؛ الشيء الذي جعله يضع إصلاح العدالة في مقدمة أولويات مأموريته الثانية حسب ما ورد في خطاب تنصيبه. إلا أن هذه الإرادة وهذا الوعي يصطدمان دائما بمحاولات ومؤامرات جماعات الفساد المهيمنة على بعض مفاصل الدولة بما فيها العدالة. وهنا لا بد من التأكيد على ثلاثة أمور:1. أن الحبس التحكمي، والتكييف الباطل، والمنع من المحاكمة، والحكم يغير الحق.. كلها ما تزال تمارس خلافا لصريح القانون والشرع نهارا جهارا. مورست ضد محمد الأمين ولد الداده، وضد حنفي قبل أن يتوطن الحظيرة، وضد الطالب بوي ولد الشيخ سعد بوه، وضد الخليفة ولد عبد الرحمن، وضد ولد لمخيطير وضد السلفيين الذين انتهت محكوميتهم، واللائحة طويلة جدا. وتمارسها قوة قاهرة لعلها بعض أجنحة المخابرات تتربع فوق القضاء الجالس، وفوق وزارة العدل.
2. أن أموال المستثمرين الأجانب قبل غيرهم، وكذلك أموال المواطنين، ما تزال تؤكل وتنهب بالباطل نهارا جهارا على رؤوس الأشهاد، والأمثلة لا تحصى؛ ومن أبسطها مصنع سمك الروس في نواذيبو، ومباني ميكستا موريتانيا في نواكشوط، وإدانة الطالب بوي ولد الشيخ سعد بوه واللبناني غسان بعشرات الملايين دون بينة. ويُمارس هذا الظلم الفاضح بتواطؤ من طرف تلك القوة القاهرة وبعض قضاة الحكم المحميين.
3. أن التحويلات الأخيرة - رغم أهميتها- غير كافية، وها هي التجربة تثبت ذلك. فبدون نهوض أربعة أركان هي: وزير عدل كفء وصالح، ورئيس محكمة عليا كفء وصالح، ومدع عام كفء وصالح، ومفتش عام كفء وصالح، لا يمكن الحديث عن إصلاح العدالة. ولا يغني توفر ركن أو اثنين من هذه الأركان عن توفر البقية؛ فالفريق الذي يلعب بعضه معك ويلعب بعضه ضدك لا يمكن أن يحقق لك النصر. وعندما تتوفر هذه الأركان فإنه يمكن بعشرة (10) قضاة أكفاء يسيرون المحاكم الحساسة ومساعدة فنية عربية محدودة أن يكون لنا قضاء. وعندما يكون لنا قضاء تكون لنا دولة قانون عادلة. والعدل أساس الملك.
الحقيقة الثانية: أن الحكومة الموريتانية واقعة في تناقض عدائي مميت؛ فهي من جهة تعلن محاربة الإرهاب في الداخل والخارج وتعارض التفاوض مع الإرهابيين وتندد بدفع الفدية لهم، وقد أحسنت صنعا. وفي نفس الوقت تطلق العنان لإرهابييها وتكفيرييها في الداخل، وتحميهم مخابراتها وعدالتها من أن يطالهم القانون (مثال يحظيه ولد داهي وأحبابه) وتجيش جموع حاضنة الإرهاب التكفيرية الظلامية الغوغائية وتتعامل معها؛ بل وتتخذها أحيانا سندا في مواجهة معارضتها الديموقراطية على علاتها، واحتياطيا انتخابيا تمتاح منها الدعم وتشكل جزءا من أغلبيتها.. وهي منقلبة عليها لا محالة. ثم ها هي ذي تتفاوض مع من تعتبرهم - ويعتبرون أنفسهم- إرهابيين وتكفيريين، علنا وبصورة مذلة للدولة وللمجتمع، وتخلق لهم الفرص الذهبية، والانتصارات الوهمية؛ مما سيشجع بالتأكيد قوما آخرين ما لم يُتدارك الموقف بالعدل والحكمة.
ألا هل بلغت؟ اللهم فاشهد.