“بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على النبي الكريم"
السيد الرئيس أصحاب الجلالة والفخامة والسمو صاحب المعالي الأمين العام للأمم المتحدة
أيها السادة والسيدات
يشرفني أن اقرأ أمام جمعكم الموقر خطاب فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد عبد العزيز رئيس الجمهورية الإسلامية الموريتانية بمناسبة انعقاد الدورة ال 72 للجمعية العامة للأمم المتحدة.
أود في البداية أن أعرب عن خالص التهنئة لمعاليكم السيد ميرو سلاف لاجيك ولبلدكم الصديق سلوفاكيا على انتخابكم رئيسا للدورة ال 72 للجمعية العامة .
كما أود أن أعرب عن عميق التقدير للسيد بيتر طومصون على ما بذله من جهود قيمة خلال رئاسته للدورة السابقة للجمعية العامة.
ولا يفوتني في هذا المقام أن أشيد أيضا بالجهود الكبيرة والمساعي النبيلة التي يبذلها معالي الأمين العام للامم المتحدة السيد انطونيو غوتيريس في قيادة منظمتنا خدمة للسلم والأمن الدوليين .
السيد الرئيس
ايها السادة والسيدات
إن شعار هذه الدورة: “معا لتحقيق السلم والحياة الكريمة للجميع على كوكب مستدام” يعتبر بحق اختيارا موفقا في عالم يشهد تحديات كبيرة، وفي هذا الإطار تضطلع موريتانيا، بدور محوري في المحافظة على السلم والامن في منطقة الساحل والصحراء، من خلال مقاربة شاملة تتبني الانفتاح والحوار نهجا والمهنية والصرامة عملا . لقد كللت جهود البلاد بالنجاح، عندما هزمت العصابات الإرهابية، بعد معارك ضارية سنتي 2010 و2011، فعلي الرغم من ظرف إقليمي بالغ التعقيد، يجمع الخبراء على أن موريتانيا تشكل استثناء يستحق التنويه في مجال مكافحة الإرهاب والتطرف العنيف. فقد تمكنت من تطوير قدراتها الأمنية والدفاعية بشكل ملحوظ، وفي ظرف وجيز، إلا أن ذلك لم يكن على حساب ترقية الحريات الفردية والجماعية أو على حساب العناية بالفئات الأقل حظا من المجتمع أو بالتنمية المستدامة بشكل عام. فحسب منظمة “مراسلون بلا حدود”، فإن موريتانيا، تحتل، منذ ثلاث سنوات متتالية، المرتبة الأولى عربيا على مستوى حرية التعبير والصحافة، وحسب آخر تقرير لبرنامج الأمم المتحدة للتنمية، فإن موريتانيا تتقدم على جل دول شبه المنطقة.
لقد استطاعت موريتانيا من خلال نهج الحوار،وضمان حريات التعبير والتظاهر والتنظيم، وترقية حقوق الإنسان، أن تتجنب الوقوع في مأزق ما سمي ب “الربيع العربي” الذي عصف ـ وللأسف ـ ببعض الدول العربية، حيث نجحت في تسيير حوارسياسي مفتوح بين الأغلبية والمعارضة سنة 2011 تمخض عن إصلاحات تشريعية وتنظيمية جوهرية تتعلق ـ من بين أمور أخرى ـ بتمكين المرأة الموريتانية، وترقية قيم المواطنة، والمصلحة العامة والقضاء على مخلفات التراتبية الاجتماعية التقليدية .
ومواصلة في نهج الحوار وتعزيز الحكامة، تم تنظيم حوار شامل بين أحزاب الأغلبية وبعض أحزاب المعارضة، وأطياف واسعة من المجتمع المدني والشخصيات المستقلة، في الفترة من 29 سبتمبر الى 20 اكتوبر 2016، تمخضت عنه مخرجات افضت إلى تعديلات دستورية ـ بموجب استفتاء نظم يوم 05 اغسطس 2017ـ ستزيد من تعزيز الديمقراطية وترسيخ دولة القانون وترشيد الموارد العمومية.
السيد الرئيس،
ايها السادة والسيدات
تتعرض منطقة الساحل والصحراء لمخاطر كبيرة ناجمة عن تداعيات التغيرات المناخية وظاهرة الإرهاب ونشاطات شبكات الجريمة المنظمة في مجالات المتاجرة بالمخدرات والأسلحة، بالإضافة إلى الهجرة السرية.
لقد تمكنت موريتانيا من تحديث الترسانة القانونية المتعلقة بمحاربة الإرهاب، لتستجيب للمعايير الحقوقية الدولية. وإضافة إلى ذلك، صادقت على اربع عشرة 14 اتفاقية وبروتوكول في مجال مكافحة الإرهاب،كما تم فتح حوار فكري وديني مع السجناء السلفيين أفضى إلى نتائج مثمرة منها توبة ثمانية وستين 68 من اصل سبعين 70 من السجناء، وعودتهم الى حياتهم الطبيعية في المجتمع.
لقد خولت هده الجهود بلادنا ان تتصدر ترتيب دول شبه المنطقة في مكافحة الإرهاب، فوفق التصنيف الصادر عن معهد الاقتصاد والسلام الاسترالي، لعام2016 حول مؤشر الإرهاب العالمي ،تحتل موريتانيا الصدارة الأمنية في شبه المنطقة.
وفي مجال محاربة المتاجرة بالمخدرات ،فان بلادنا وفق تقرير مكتب المخدرات الصادر نهاية مارس الماضي عن وزارة الخارجية الأمريكية، تعتبر البلد الوحيد الذي لم يرد اسمه ضمن لائحة اثنتي عشرة 12 دولة في شبه المنطقة، وفي مجال التصدي للهجرة السرية، تفيد الإحصائية التي أكدتها المنظمة الدولية للهجرة أن أعداد المهاجرين السريين انطلاقا من الشواطئ الموريتانية الى جزر الكناريا الاسبانية، انتقل من ست وثلاثين الفا 36 سنة 2006 الى صفر 0 منذ العام 2014 الى يومنا هذا.
وتأؤي موريتانيا أكثر من ستين ألف 60 لاجئ من جمهورية مالي الشقيقة بمخيم امبره شرقي البلاد.
السيد الرئيس
أيها السادة والسيدات
لقد لعبت موريتانيا دورا متقدما في تأسيس “مجموعة دول الساحل الخمس”، خلال اجتماع نواكشوط فبرائر 2014 التي تضم كلا من تشاد والنيجر وبوركينافاسو ومالي وموريتانيا وتحتضن موريتانيا الأمانة الدائمة لهذه المنظمة الإقليمية وتعنى”مجموعة دول الساحل الخمس” بالتنسيق فيما بينها في مجالات حيوية هي الأمن والتنمية، وقد وضعت المنظمة برامج ومشاريع مشتركة نالت اهتمام الكثير من الشركاء الدوليين .
كما تعكف دول مجموعة دول الساحل الخمس، على تشكيل قوة مشتركة لتنسيق العمليات العسكرية والأمنية داخل حدودها ،مركز قيادتها في سفاري بجمهورية مالي الشقيقة.
السيد الرئيس
ايها السادة والسيدات
يحتل ملف حقوق الإنسان مكانة هامة في السياسات الوطنية حيث تم تجريم العبودية في التعديلات الدستورية 2012 وتم تعزيز المنظومة القانونية بجملة من القوانين والنظم،وتم اعتماد مقاربات عملية من قبيل إنشاء محاكم مختصة بقضايا مخلفات الرق على امتداد التراب الوطني،كما تم استصدار خارطة طريق تتضمن تطبيق تسع وعشرين 29 توصية ،خاصة بمحاربة الرق في مارس 2014 أشادت بها المقررة الخاصة للأمم المتحدة، كما استحدثت الحكومة وكالة للتضامن الاجتماعي تعمل على محاربة الفقر ومخلفات العبودية، وتعنى بمساعدة الطبقات الأكثر هشاشة عن طريق توفير الخدمات الصحية والتعليمية وتمويل المشاريع المدرة للدخل على امتداد التراب الوطني، من جهة أخرى ،تم طي ملف المواطنين الموريتانيين اللاجئين باكتمال عودتهم إلى وطنهم، وتوفير أسباب العيش الكريم لهم وتسهيل اندماجهم في المجتمع وإعادة الموظفين منهم لوظائفهم واستفادة المتقاعدين من حقوقهم،وقد أقيمت صلاة الغائب على ارواح المفقودين يوم الخامس والعشرين 25 مارس 2012 ،في مدينة كيهيدي.
وحظيت بلادنا بإشادة الأغلبية الساحقة من الدول المشاركة(85 من اصل 90) في الاستعراض الدوري الشامل المتعلق بحقوق الانسان الذي خضعت له سنة 2015 بجنيف.
لقد قامت الحكومة بتشجيع القطاع الخاص وفتح المجال أمام المبادرات الشبابية والنسوية، وهو ما كان له الاثر الايجابي في تقليص معدل البطالة في صفوف الشباب.
وقد حظيت المرأة بالجزء الاكبر من هذه السياسات ،عبر اعتماد سياسة التمييز الايجابي لصالحها، سعيا الى مزيد من العدالة بين الجنسين.فأصبحت المرأة الموريتانية حاضرة في مختلف القطاعات وتنافس في قطاعات ظلت لعقود حكرا على الرجال فضلا عن دورها القيادي في الحياة السياسية والاجتماعية، وقد سعت الحكومة إلى تمكين المرأة الموريتانية من الولوج إلى المنظمات الإقليمية والدولية عبر ترشيحها للمناصب الشاغرة فيها ، فحققت نجاحا ملحوظا في الحصول على عضوية لجان هامة تابعة للامم المتحدة.
ووعيا منا بان تحقيق العدالة والمساواة بين كافة أفراد المجتمع والتوزيع العادل للثروة من أهم ركائز بناء الدولة فقد ادخلت موريتانيا إصلاحات جذرية في مسطرتها القانونية بغية تكريس مبدأ استقلال القضاء وعملا على تقريبه من المتقاضين كما عملت الدولة على ترسيخ الحكم الرشيد وإشاعة الشفافية في تسيير الشأن العام ومحاربة الفساد والرشوة وهو ما كرس احترام المال العام ونهاية عهد الإفلات من العقاب الأمر الذي خول موريتانيا الحصول على أعلى درجة من بين ست وعشرين 26 دولة افريقية وفق دراسة اعدها البنك الدولي حول الموضوع السنة الماضية.
ونظرا لما تتمتع به موريتانيا من موقع استيراتيجي وما تتميز به من استقرار سياسي فقد انتهجت سياسات اقتصادية تعزز من فرص الاستثمار وتحمي حقوق المستثمر كما نصت على ذلك مدونة الاستثمارات ، وقد تم انشاء منطقة نواذيبو الحرة يونيو 2013 لتكون احد الأقطاب التنموية في شبه المنطقة.
نتيجة لهذه الجهود، تقدمت بلادنا خلال سنتين فقط ست عشرة (16) نقطة في التصنيف الدولي لمؤشر الاعمال، حسب التقرير السنوي للبنك الدولي 2016ـ2017، حيث ظهرت من بين الدول الخمس على مستوى المنطقة الافريقية ومن بين العشر دول في العالم الاكثر تحسنا في مناخ الاعمال.
السيد الرئيس، ا
يها السادة والسيدات
تتويجا لمصداقية البلاد على المستوى القاري، تشرفت موريتانيا برئاسة “الاتحاد الافريقي” عام 2014 بعد ترؤسها ل”مجلس السلم والامن “في نفس المنظمة.
وخلال هاتين المأموريتين، شاركت موريتانيا الى جانب بعض البلدان الافريقية، في عدة مبادرات لايجاد حلول سلمية وتوافقية للازمات في كوت ديفوار وليبيا ومالي وبوروندي، وتدخلت موريتانيا بنجاح في حل الازمة في غامبيا، حين كان هذا البلد الشقيق يجتاز مرحلة سياسية حرجة اثر الانتخابات الرئاسية 2016، فتمت المحافظة على الامن والوئام في شبه المنطقة وترأٍست موريتانيا جامعة الدول العربية سنة 2016، بعد تنظيمها لاول قمة عربية في نواكشوط..
السيد الرئيس ،
أيها السادة والسيدات،
ما تزال القضية الفلسطينية تراوح مكانها، وتدعو موريتانيا من هذا المنبر الموقر، المنظومة الدولية الى العمل على اقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف وفقا لمبادرة السلام العربية، ومبادئ مدريد، والقرارات الدولية ذات الصلة.
من جهة أخرى تتطلع موريتانيا الى تسوية سياسية للملف اليمني، وتعرب عن دعمها للشرعية الدستورية ممثلة في الرئيس عبد ربه منصور هادي، وترحب بجهود الامم المتحدة في ايجاد حل سلمي ينهي الازمة.
وفي الشأن الليبي ندعو الى المضي قدما في تسريع بناء مؤسسات الدولة ودعم جهود التصدي للجماعات المسلحة من أجل اعادة الاستقرار الى ليبيا موحدة وآمنة. وبخصوص الوضع في سوريا نحث الاطراف الى التعجيل بالخروج بحل ينهي معاناة الشعب السوري ويحافظ على وحدة وسلامة الاراضي السورية.
السيد الرئيس
أيها السادة والسيدات,
تشكل التغيرات المناخية تحديا كبيرا أمام تحقيق التنمية المستدامة خاصة في منطقة الساحل والصحراء، وقد تأثرت موريتانيا كباقي دول شبه المنطقة، بظاهرة زحف الرمال التي قضت على مناطق شاسعة من المساحات الزراعية والرعوية، مما حدى بالحكومة الموريتانية الى اعتماد استراتيجية وطنية، تهدف الى ادماج القضايا البيئية في صميم السياسات الوطنية.
وقد أشرفت السلطات العمومية على عمليات تشجير واسعة كما تم وضع آلية للعناية بالمحميات الطبيعية.
وانسجاما مع هذا التوجه، سعت موريتانيا الى تعزيز استخدام الطاقة المتجددة وهو ماكان محل اشادة من طرف المنظمة الدولية للطاقة المتجددة، وفق تقريرها الصادر 2016، الذي صنف بلادنا من بين البلدان الافريقية الاكثر تعزيزا لاستخدام الطاقة المتجددة، حيث احتلت المرتبة السادسة (6) في استغلال الطاقة الشمسية على مستوى القارة.
وتتشرف موريتانيا باحتضان مقر الوكالة الافريقية للسور الاخضر الكبير، هذا المشروع الطموح الذي يمتد على مسافة 7000 كلومتر وعلى عمق 19 كلم، والذي يربط شواطئ المحيط الاطلسي في غرب افريقيا بشواطئ البحر الاحمر شرقا، والذي ستستفيد منه احدى عشرة (11) دولة في منطقة الساحل.
ورحبت موريتانيا بالاتفاق التاريخي الذي تم التوصل اليه في باريس سنة 2015 حول التغيرات المناخية، وتأمل أن تفي كل الاطراف بتعهداتها في هذا المجال.
السيد الرئيس،
أيها السادة والسيدات،
ان اصلاح هياكل هيئة الامم المتحدة، وتكييف أجهزتها مع التحديات المستجدة، وخصوصا مجلس الامن المسؤول الاول عن استتباب السلم والامن الدوليين، بات ضرورة ملحة لتتمكن من لعب الدور المنوط بها على أحسن وجه، وتدعم موريتانيا، في هذا الصدد، الموقفين الافريقي والعربي.
السيد الرئيس،
ايها السادة والسيدات،
لا شك أن تكريس العدالة والمساواة ونشر ثقافة السلام وقيم التسامح بين الشعوب، ونبذ ومحاربة الارهاب والتطرف والعنف، وحوار الحضارات، تشكل السبل الانجع لتحقيق التنمية المستديمة والامن والسلم في العالم.
اننا في الجمهورية الاسلامية الموريتانية، نرفض الارهاب بكافة أشكاله، وندعو الى مد جسور التواصل والعمل المشترك، في اطار احترام خصوصيات كل بلد وسيادته.
ختاما، لا يسعني الا أن أؤكد تمسك موريتانيا الدائم بالنظام الدولي متعدد الاطراف وبمبادئ الامم المتحدة الرامية الى خلق عالم يسوده الامن والاستقرار وتعيش شعوبه في رفاه وسلام.
اشكركم والسلام عليكم”.