اطلعنا على بيان أصدرته النيابة العامة بخصوص ملف موكلنا السيناتور محمد ولد أحمد ولد غدة، وحرصا منا على عدم مغالطة الرأي العام نطلعه على التالي:
- تضمن البيان أن سيارة السيناتور دخلت عريشاً، ودهست مجموعة من الأشخاص داخله، وهو أمر عار من الصحة، فالسيارة لم تدهس عريشا، والدليل على ذلك أن السيارة نفسها لم تتضرر ولم تخدش، وإنما الذي وقع هو أن السيارة لما حادت عن الطريق مرت بجانب العريش، وصادف أن من بداخل العريش بسبب الذعر ارتبكوا –كماهي العادة في مثل هذه الظروف- فاتجه بعضهم جنوبا ولم تصبه السيارة بينما اصابت الذين توجهوا شمالا باتجاه انحراف السيارة، وهو مايثير استغرابنا من تضمن بيان النيابة العامة لمعلومات غير صحيحة؛
- إن ما جرى به عمل المحاكم في مثل هذه الحالات، أنه إذا سحب الضحايا شكواهم أو لم يتقدموا بها يجري فورا إطلاق سراح المتهم بضمان،-وقعت حالات مشابهة عديدة في روصو تضمنت ضحايا ووفيات آخرها كان منذ أقل من شهرين- والقاعدة أنه يجب أن يعامل الأشخاص الموجودون في ظروف متشابهة والمتابعون بنفس الجرائم وفقا لنفس القواعد طبقا للمادة التمهيدية من قانون الإجراءات الجنائية، ومبدأ المساوات الجنائية يحتم ذلك؛
- إن سيارة السيناتور - خلافا لما ورد في بيان النيابة العامة- مؤمنة، ولكن لأنها كانت متعطلة منذ فترة وكان تأمينها بحوزة زوجته، لم يطلع هو على ذلك بسبب مصادرة هواتفه حتى زوال اليوم الثاني لتوقيفه، وقد سلم السيناتور تأمين السيارة ذي رقم البوليصة 01/02/240VT صلاحيتها من 26-04-2017 إلى 25-04-2018 عن الشركة العامة للتأمينات (تأمينات إسلامية) لوكيل الجمهورية وقت استجوابه، لكن الوكيل فضل الإبقاء على التهم التي جاءت معلبة من نواكشوط دون تغيير وهو ما جعل النيابة العامة توجه تهمة السياقة بدون تأمين رغم وجود التأمين، وتغالط الرأي العام في بيانها من خلال عرض بيانات وثيقة تأمين سابقة منتهية الصلاحية، وللرأي العام أن يتساءل لماذا تزيف النيابة العامة الوقائع وتدعي عدم تأمين السيارة، رغم وجود تأمينها بين يدي وكيل الجمهورية؟
- إنه خضع لتفتيش مهين ومخالف للقانون، بدءا بثيابه وحقائبه، وليس انتهاء بصناديق سيارته، ثم تم حجز وثائقه وأوراقه وهواتفه وحتى مذكراته الشخصية دون أن يسمح القانون بذلك،
فكيف ستبرر النيابة العامة للرأي العام مخالفتها للقانون الصريح بشأن حجز هواتفه ومذكراته ووثائقه التي ما زالت محجوزة حتى الآن؟
- إن توقيف ومتابعة السيناتور خرقت مبادئ الحصانة البرلمانية في إهانة واضحة لمكانة التمثيل البرلماني ولمجلس الشيوخ وللمؤسسات وللدستور، وهي إذ لم تمنع عضو مجلس الشيوخ من المتابعة، فعلى الأقل تمنعه من التفتيش المهين ومن انتهاك خصوصياته وحرمة مراسلاته، فقد تحولت الحصانة بفعل النيابة العامة وأعوانها من حام ومحصن تمنع صاحبها من التوقيف في الظروف التي يوقف فيها غيره من غير ذوي الحصانة، إلى ظرف مشدد يعرض صاحبه للتوقيف في الظروف التي لا يوقف فيها غيره، بل وتعرضه لانتهاك حقوقه وحرمة حياته الشخصية ومراسلاته، فقد انتهك الدرك خصوصية وحرمة مراسلات السيناتور، وذلك من خلال تجسس فرقة الدرك على هواتفه، التي صادرتها عند الساعة الواحدة زوالا من يوم الجمعة، وبعد إغلاقها لساعات، عمدت الفرقة إلى فتح الهواتف في اليوم الأول مابين الساعة الخامسة مساء حتى الساعة التاسعة مساء، ثم من الثالثة صباحا حتى الرابعة صباحا، ثم أعيد فتحهم يوم السبت، حيث اطلعوا على كل الرسائل الشخصية في الواتساب، والفيس بوك، والرسائل النصية، والايميل، ومنها ما يتعلق بعمله كعضو في الغرفة البرلمانية العليا، ومنها ما هو شخصي.
وحتى حين تم تسليم المحجوزات للنيابة العامة تم فتح الهواتف أيضا ليلة الثلاثاء لمدة ساعة زمانية، والهواتف مازالت بحوزة النيابة العامة حتى الآن، إمعانا في انتهاك خصوصية السيناتور وهتك حرمة مراسلاته المحمية بالمادة 13 من الدستور، والمعاقب على انتهاكها بالمادة 111 من القانون الجنائي، فبأي حق تتجسس النيابة العامة وأعوانها على مراسلات السيناتور، أوليس التجسس ممنوعا شرعا وقانونا، ومناف للأخلاق والقيم، وما الهدف من هذا التجسس الفاضح إن لم يكن سياسيا محضا لا علاقة له بالمسطرة المنظورة؟ وستكون هذه الوقائع موضوع شكاية تقدم اليوم بإذن الله.
- إنه من أبسط حقوق المحامي وحقوق الدفاع حصوله على ملف القضية ومحاضر الاستجواب، لكن النيابة العامة منعتنا من الحصول على نسخة من الملف يوم الاستجواب، وعدنا في اليوم الموالي فوعدتنا بتسليمه مساء عند الساعة الرابعة، وعندما عدنا مساء وعدونا بتسليمه في اليوم الموالي أيضا، ولم نحصل عليه حتى الآن.
وهي المرة الأولى التي نرى فيها منع الدفاع من الحصول على ملف موكله، في خرق صارخ لقانون الإجراءات، وانتهاك سافر للحقوق المقدسة للدفاع، فحتى أعتى الأنظمة العسكرية الاستثنائية التي مرت بها البلاد، حيث عقدت الجلسات في الثكنات العسكرية كانت تصون حدا أدنى من حقوق الدفاع.
- إن عدم السماح لذوي السيناتور السيد محمد ولد أحمد ولد غده بزيارته رغم تقديمهم لطلب بخصوص ذلك إلى السيد وكيل الجمهورية منذ اللحظة الأولى لإيداعه في السجن لهو أمر يثير الحيرة والدهشة ومناف لأبسط الحقوق التي يجب أن يتمتع بها كل من أوقف، أو قيدت حريته بشكل عام، أحرى بشخص متمتع بالحصانة البرلمانية ولم يرتكب أي جريمة حتى يتعرض لهذا الكم الهائل من المضايقات والإهانات وهي لعمري مصيبة ما بعدها مصيبة ومخالفة لما تضمنه قانون الإجراءات الجنائية من ضرورة السماح لذوي كل متهم من زيارته والاتصال به فور توقيفه.
- إن عدم إحالة الملف حتى هذه اللحظة إلى المحكمة المختصة، للنظر في القضية رغم استجواب السيناتور السيد محمد ولد أحمد ولد غده من طرف وكيل الجمهورية، لهو مخالف لما نصت عليه المادة 351 من قانون الإجراءات الجنائية التي نصت على أنه يجب أن يقدم الشخص المتلبس بالجنحة بعد استجوابه من طرف وكيل الجمهورية إلى أول جلسة للمحكمة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى محاولة من طرف النيابة العامة التعمد في إبطاء سير الإجراءات إمعانا في التأثير النفسي عليه وعلى ذويه خدمة لأجندات معلومة بسبب مواقفه الوطنية النبيلة.
- إن عدم امتثال وزارة العدل لقرار مجلس الشيوخ رقم 27/2017 بتاريخ 15 مايو 2017 المسجل لدى الوزارة تحت الرقم 12/28، والذي طالب بتعليق الاعتقال والمتابعة اللذين تعرض لهما عضو المجلس السيناتور السيد محمد ولد أحمد ولد غده معتمدا على نص المادة 50 من الدستور، لهو مخالف للقانون والنظم ومدعاة للحيرة والارتياب لكون من يفترض بها أن تكون ساهرة على تطبيق القوانين وعدم مخالفتها، هي للأسف من تقوم بخرقه، لأن نفس المادة 50 من الدستور التي اعتمدت النيابة على جزئها الأول في توقيف السيناتور، هي نفسها في فقرتها الأخيرة تلزم بتعليق الاعتقال والمتابعة حين تطلبه الغرفة، وهو ما حدث في هذه الواقعة.
- إن الدفاع عن السيناتور السيد محمد ولد أحمد ولد غدة في هذه المسطرة هو دفاع عن المؤسسات في البلد، وعن حصانة هذه المؤسسات وشرفها، وعن دولة القانون، حتى لا تسخر سلطات الدولة لصالح الموالاة أو أصحاب النفوذ والمال والحماية وتسلط سيفا على رقاب المعارضة أو الفقراء والطبقات الهشة من غير ذوي النفوذ في انتهاك لأبسط أبجديات أسس دولة القانون والمؤسسات، ولتكون هذه المسطرة آخر المساطر التي يستغل فيها القضاء سياسيا، فلقد آن الأوان لفرض دولة القانون والحريات والمؤسسات، وصيانة استقلالية القضاء، وحماية حقوق الناس.
لذا، فإنني أدعو باسم الدفاع، الرأي العام إلى التضامن معنا في هذه القضية لنجعل منها انطلاقة لترسيخ دولة القانون والمؤسسات، وحماية الحقوق والأعراض، وتطبيق القوانين على المواطنين على حد سواء، كما نهيب بكافة النخب والهيئات الفاعلة في المجتمع، ومنظمات المجتمع المدني، الوقوف معنا في هذه المسطرة لنجعل منها قطيعة مع الممارسات البائدة والمتخلفة، حفاظا على حقوق الأفراد وعلى العدالة التي هي صمام الأمان الوحيد للأمن والسلم الاجتماعي، وبدونها لن تدور عجلة التنمية الاقتصادية، ولن يقضى على أمراض الدولة والمجتمع، وكما نهيب بالقضاة إلى التمسك باستقلاليتهم، وللإدارة والسلطات العامة إلى فهم دورهم الذي يتمثل في حماية حقوق الأفراد وصيانة أموالهم، وتحقيق مصالحهم في ظل القانون دون ظلم، أو حيف، أو تصفية للحسابات الشخصية أيا كانت طبيعتها، حتى ننتقل من إدارة وقضاء في خدمة الحاكم إلى إدارة وقضاء في خدمة الوطن والمواطن، وحتى نرقى ببلدنا إلى مصاف الدول القابلة للبقاء والاستمرار والتقدم والازدهار.
روصو بتاريخ 17-05-2017
ذ/ أحمد سالم ولد بوحبيني