يمامة تبلغ من العمر 23 سنة و هي أم لطفلين: بنت في الرابعة و ولد في السادسة. تقطن يمامة في إجناون، قرية تقع على بعد 175 كيلومترا من شرق نواقشوط . عندما كانت طفلة، ترددت يمامة، بصورة غير منتظمة جدا، على مدرسة القرية لمدة 3 سنوات و رغم كونها تستطيع أن تتبع شريط الأخبار على التلفاز، فإنها تعترف بعدم قدرتها على كتابة جملة على النحو الصحيح.
تروي يمامة ذكريات الدراسة فتقول: "دخلت المدرسة في سن الثامنة بعد ان حفظت بعضا من القرآن لأداء صلواتي. و كان معلمنا كثير التغيب عن المدرسة فهو من نواقشوط و كل عائلته تعيش هناك. كان يسافر لمدة أسابيع تبقى خلالها المدرسة مغلقة نظرا لكونه المعلم الوحيد للفصول الثلاثة الموجودة حينها.أما اليوم فيوجد بالمدرسة معلمان و ستة فصول. و يتم التدريس حسب فترتين تدوم كل منهما نصف يوم: الصباح للفصول الصغيرة و المساء للفصول المتوسطة".
و في ما يتعلق بأطفالها، تستدرك يمامة: "لكنني اليوم قلقة بشأن أطفالي فبعد نهاية المرحلة الإبتدائية سأضطر للانفصال عن الولد إذا ما واصل تعليمه بالمرحلة الما قبل الثانوية. أما ابنتي فهذا لن يكون ممكنا فأنل لا أستطيع السماح لها بالذهاب و في نفس الوقت لا أستطيع مرافقتها إلى المدينة إذ يجب علي الاعتناء بوالدتي العجوز".
التقينا كذلك بائعة الكسكسي فطيمتو التي تقطن في "تفرغ زينة"، أحد الأحياء الراقية بنواقشوطبينما يعمل زوجها كحارس حضيرة. أطفال فطيمتو، (ثلاثة ذكور في سن 15 و 13 و 9)، لا يرتادون المدرسة و هي بدورها لا تحسن القراءة و لا الكتابة.
تحدثنا فطيمتو عن تجربتها فتقول: "نشأت في مخيم شمال البلاد و منذ كنت طفلة اشتغلت في المساعدة على الأعمال المنزلية و جلب المياه. ثم بعد ذلك تزوجت و تبعت خطى زوجي إلى المدينة. لم أبعث بأطفالي إلى المدرسة لأننا ننتقل كثيرا من حي إلى حي بسبب عمل زوجي الذي يكلفه رئيسه في الشغل بالحراسة في حضائر أشغال تقع في أماكن مختلفة من العاصمة".
و تواصل محدثتنا شرح تخلف أطفالها عن المدرسة فتضيف: "زيادة على ذلك، فإن راتب زوجي الذي لا يتجاوز ال30.000 أوقية (حوالي 100 يورو) في الشهر لا يكفي لمعيشتنا و لذلك يضطر الأطفال للعمل حتى يساعدونا. فهم يجمعون الفضلات المنزلية على عربتهم و كذلك يقومون بإعادة رسكلة تلك القمامة ما يوفر لهم أحيانا حوالي 3.000 أوقية (7 يورو تقريبا) في اليوم الواحد".
كما وجهت فطيمتو انتقادات صريحة في كلامها لمدى نجاعة و فعالية التعليم العمومي إذ تتساءل: "و على فرض أن يتعلم أطفالي، فسيكون ذلك طبعا بالمدرسة العمومية حيث سيقضون يومهم في التسكع و البطالة ليصبحوا في النهاية مجرد صعاليك كسالى و عاطلين. فالمدرسون غالبا ما يتغيبون عن فصولهم إذ يفضلون العمل بالمدارس الخاصة. أما نحن فلا نملك ما يلزم من نقود لنعلمهم في مدرسة حقيقية".
و تمثل حالتا يمامة و فطيمتو نموذجا مثاليا لما تعيشه 3 نساء على 5 في موريطانيا وفق بيانات معهد الإحصاء بمنظمة اليونسكو.
عوائق اقتصادية و اجتماعية
يرى عالم الإقتصاد و الإجتماع محمد فال ولد باه أنه: "بالإضافة إلى صعوبات الإلتحاق بالمدرسة و انشغال الأطفال عن التعلم بالقيام بأعمال منتجة و مدفوعة الأجر من طرف القرويين(مثل رعاية الحيوانات الصغيرة أو الفلاحة أو جمع الثمار) أو بالقيام بخدمات صغيرة لفائدة المستقرين في المدن، توجد عوائق أخرى ذات طابع ثقافي".
و يفسر ولد باه هذا الرأي بقوله: " الحق في التعلّم في المجتمعات التقليدية محكوم بشروط غير متكافئة و تمييزية مع إقصاء يكاد يكون كليا للنساء. لدى المغاربة مثلا، الإلتحاق بالمحضرة (المدرسة التقليدية) يبقى حكرا على بعض الطبقات الإجتماعية دون غيرها. فالحراطين (عبيد سابقون)و الأزناقا (رعاة رحل) و المعلمين (الحدادون) و الإغاون هم تقريبا مستبعدون تماما. اما طبقة المحاربين (الحصان) فهم يترددون بقلة على المحضرة بينما تسلك مجموعة الهالبولار طرقا خاصة بها نحو التعلم. وحدها فئة التوروبي (أو العلماء) تتمتع بالحق الكامل في التعلم".
و حسب مريم بنت بابا أحمد، و هي عالمة أنثروبولوجيا، فإن الأمية موجودة اليوم في كل الأوساط. و تأكد محدثتنا: " محو الأمية في موريطانيا هي مشكلة ليس من السهل الإحاطة بكل جوانبها إذ توجد أمية مرئية و أخرى خفية أو أقل ظهورا للعيان. فأنا مثلا اكتشفت بمحض الصدفة وجود نساء عالمات و مثقفات (تنتمين إلى طبقة الزوايا)، لكنهن لا تحسن القراءة و لا الكتابة. بل دأبن على اكتساب المعرفة عبر الذاكرة البصرية حيث تحفظ عيونهن شكل النصوص الكلاسيكسة في الدين و الأدب.
و على العكس من ذلك هنالك نساء أخريات تعلمن منذ صغرهن القراءة و الكتابة لكنهن رجعن إلى الأمية نظرا لانعدام ممارستهن للنزر القليل الذي تعلمنه. و تلك حال الرحل (أزناقا، نماديس) و سكان أدوابا (قرى حرطانية) الذين لم يترددوا بانتظام على المدرسة، سواء كانت العصرية أو التقليدية، و الذين يفتقر محيطهم إلى المعرفة المكتوبة".
عوائق مؤسساتية
بشير وهو، في الخامسة و الثلاثين من العمر، منظف سيارات أمام مقر شركة تعدين بنواقشوط يروي لنا تجربته المتأخرة مع التعلم: "ولدت في قرية على ضفاف النهرو لم أرتد المدرسة في طفولتي. و في 2004، بعد أن أصبحت كهلا، ترددت لبضعة أشهر على أحد فصول محو الأمية بحي الرياض في نواقشوط. ولم أكد أتعلم القراءة و الكتابة حتى أغلقت الدولة تلك الفصول بعد انقلاب 2005. لكن ما اكتسبته كان مفيدا لي فأنا اقرأ البطاقات الملصقة على المنتجات في المتجر و الإعلانات في الشارع و أستطيع كذلك أن أحسب مجموع ربحي اليومي. لكنني عندما أرى كل هؤلاء الشبان العاطلين عن العمل و الذين قاموا بدراسات عليا يأتون كل يوم ليقفوا في طابور على أبواب هذه الشركة، أقول لنفسي بأن دراستهم لم تجد لهم نفعا كبيرا و لا أشعر بالأسف على أميتي. فأنا أطعم عائلتي أما هم فلا".
وزارة الشؤون الإقتصادية و التنمية في تقريرها الوطني الأخير حول تطبيق خطة عمل المؤتمر الدولي للسكان و التنمية و الذي نشر في عام 2012، سجلت في عام 2008 نسبة تعلم تصل إلى 73.3 بالمائة في الوسط الحضرى مقابل 50.3 بالمائة في الوسط الريفي أي أن هنالك تراجعا عن نسبة ال75 بالمائة المسجلة في 2000 بالوسط الحضري و تقدما على نسبة ال45 بالمائة المسجلة بالوسط الريفي في نفس السنة.
كما أن نسب التعلم تشهد فارقا ملحوظا بين الجنسين فهي أهم بكثير لدى الرجال منها لدى النساء إذ تصل إلى 70.3 بالمائة من جهة مقابل 54.4 بالمائة من الجهة الأخرى أي بفارق 15.9 من النقاط.
و يفسر هذا الوضع في التقرير بضعف الإمكانيات المرصودة لبرنامج محو الأمية، بضعف الموارد البشرية المؤهلة لدى إدارة محو الأمية و بعدم استقرار مؤسسات هذه الإدارة.