" .. لم تكن مريم ممن يفرضن مقتضيات خاصة، بل إنها تكتفي بدخلنا الشرعي، وهو أمر مغاير لما يقال عن بعض نظيراتها في إفريقيا(...) إن حسها نحو الواجب والشرف حماها من المحاولات التي استسلمت لها بعض زميلاتها ممن يتعاطين تجارة النفوذ والمال، لقد كانت بحق أسمى من كل ذلك؛ وظلت اهتماماتها التي خالطت اهتماماتي، خارجة عن هذا النطاق."
فخامة الرئيس المختار بن داداه/موريتانيا على درب التحديات
سخرت العناية حياة مراهقة الدائرة الرابعة عشر من عاصمة البنت البكر لكنيسة التحريف، لقدر شغل همتها وامتلأت روحها بصراطه المستقيم؛ لتهجر كهوف تقنين جبروت الشمال وتشريع الاستعمار، وتكرس قلبها وعقلها لشموخ خيمة أول جمهورية إسلامية في الصحراء الكبرى، وفاء لفطرة عقوق جاهلية مؤتمر برلين.
اعتبر جنرال الجمهورية الخامسة مريم داداه "خائنة" لبلدها الأصلي باندفاعها في دعم استقلال موريتانيا عن امبراطورية ديغول الاستعمارية وحماسها الثوري لفك عرى اتفاقيات الاستعمار الجديد، حيث ناصبتها العداء دوائر القرار في باريس وسينلويس، وشهرت بها لاحقا وقاحة "فوكار"، في مذكراته بتهكم ساخر من زهدها في المال وعدائها المبدئي للاستعمار ورجاله.
ابتليت دول الاستقلال بهيمنة جيل من شقروات السيدات الأول الناهبات المتسلطات، المتحكمات بغطرسة في شؤون الدولة وبجشع في مواردها، العابثات طيلة أوقات فراغهن الدائم بتعطيل الدساتير وتحويل مسار رحلة طائرة لجلب العطور والبهارات؛ مع خطورة أدوارهن الكارثية في نهب مخزون البنوك المركزية من العملة الصعبة والعبث بالميزانيات للإنفاق على حياتهن التافهة.
كرست رفيقة أبي الأمة حياتها لخدمة شعبه والانتصار لسيادة بلده، بإرادة صادقة قادتها لزيارة جميع ولايات الوطن ومدنه وأريافه في اتصال ودي وحديث مباشر مع الناس. لم تتوقف مريم داداه التي حملت السلاح دفاعا عن الحوزة الترابية للجمهورية الإسلامية الموريتانية، لم تتوقف أبدا عن الاهتمام بحياة البلاد ، ودعم تعليم البنات وإقحام المرأة في مشروع التأسيس، وإقامة حوار جاد مع الشباب التقدمي وإشراكه في إنعاش وتسيير الحياة العامة. اندفعت، كذلك، بقوة في مسار دعم مراجعة الاتفاقيات مع فرنسا وتأميم ميفرما والخروج من منطقة الفرنك وإنشاء عملة وطنية.
خلال فترة المنفى بذلت مريم داداه جهدا ومالا، ثم جاها ثمينا لرفع الحصار عن عراق المتنبي وليبيا عمر المختار، وامتنعت عن استهداف موريتانيا في الإعلام الدولي بعد مغادرتها للسلطة ولازمت الذود عنها وعن جيشها الذي لم تضمر له الحقد في تشبث وفي بمواقف الرئيس المختار بن داداه باحترام الجيش و اعتباره صمام أمان ووحدة موريتانيا . رحم الله سيدة التأسيس وتقبلها بإذنه في الفردوس الأعلى. إنا لله وإنا إليه راجعون.