لقد أصبحت بلادنا اليوم في وضع محرج ، يلزمنا بمكاشفة الجميع و تحديد من يتحملون المسؤولية و من يُتهمون بالتقصير و ما يجب على الآخرين .
يعرف الجميع اليوم، أننا نكذب بسخافة (على أنفسنا قبل الآخرين)، حين نتكلم عن الديمقراطية و شرعية الحكم و أهمية الانتخابات:
لا فرق بين انتخابات لا تأتي بغير الجنرالات و بين الانقلابات العسكرية . و كما تم تجريم الانقلابات العسكرية يجب أن يتم تجريم تزوير الانتخابات ، حتى لا تظل الانتخابات عامل تهديد للاستقرار كما يحدث في بلدنا اليوم بالضبط.
و سيعرف هذه المرة ، من يعتقد أن تزوير الانتخابات ما زال ممكنا ، أنه يعتمد على رهان خاسر ، لن يؤدي الإصرار عليه إلا إلى فوضى عارمة ، لن تستطيع أي قوة إدارة أزمتها.
ما تعيشه موريتانيا اليوم من فوضى و عدم احترام الناس للقانون و السلطة و عدم احترام السلطة لنفسها من خلال ممارساتها المشينة و استهتار الجميع و استباحة الجميع للمال العام و تنصل الجميع من مسؤولياتهم و تبرير الجميع لأخطائهم بأخطاء غيرهم ، لا يملك قابلية الاستمرار بأي حال و لا نملك سوى أن نقول إن ولد الغزواني عاجز عن مواجهته ، إذا نزهناه عن السعي المتعمد في تدمير الدولة..
ما تعيشه موريتانيا اليوم من فوضى و بطش على يد إخوان الرئيس و أقارب الرئيس و قبيلة الرئيس و حاشية الرئيس و حلفاء قبيلة الرئيس و مدينة الرئيس و ولاية الرئيس و أصدقاء الرئيس و أهل الرئيس و خاصية الرئيس و معارف الرئيس ، تجاوز كل الحدود و ملأ كل المسافات بين المواطنين و الدولة..
و أصبحت ظاهرة غلمان الرئيس أكثر إزعاجا من الجميع و هم أناس لا علاقة لهم بالحكم و لا بغيره، يتعرضون لكل من يتكلم في الشأن العام ، تراهم يبرقون و يرعدون في كل مجلس دفاعا عن الرئيس (بما يسيء إليه أكثر مما ينفعه) ، لابتزاز البسطاء ممن يصدقون علاقتهم المزعومة بالرئيس و حضورهم النافذ في كل شأن لا علاقة لهم به في غير أخيلتهم المريضة.
ما تعيشه موريتانيا اليوم من غبن و ظلم و هيمنة و تهميش و استهتار بالقيم و النُظم و القوانين و تجاوز أخطاء التسيير و التسامح (غير البريء ) في أكل المال العام و التغاضي عن تقارير مفتشية الدولة ، الصارخة بكل أنواع الإجرام التسييري ، لا بد أن يفضي إلى انهيار الدولة أو انهيار النظام ..
ما تعيشه موريتانيا اليوم من نصب و احتيال و غش و تدليس و تزوير الشهادات و تزوير المحاضر و تزوير تواريخ الصلاحية و تزوير العملات ، أصبح مؤشرا واضحا على عجز بين في إدارة الدولة ..
ما تعيشه موريتانيا اليوم من فساد مالي و فساد أخلاقي و انتشار القمار و انتشار المخدرات و انتشار المعاملات الربوية المهلكة ، الأقرب إلى المحمية من الممنوعة (بوكير و بليند و شبيكو و الرماية و تهافت كبار المسؤولين على محلات القمار في دول الجوار)، يعبر بوضوح عن غياب كامل لأركان الدولة و انفصام فاضح في بنيتها التنظيمية و تشكيلتها الإدارية..
كل هذه الفوضى العارمة في غياب أي تدابير للحد منها من قبل النظام، جعل السلطة مجرد حارس للفوضى و حامي للظلم و القهر و أكل القوي للضعيف و استباحة "القريب" للبعيد و عربدة المحمي و إذلال الأعزل ..
كل هذه الفوضى العارمة ، الخالية من أي مستوى من الأخلاق .. من أي مستوى من المسؤولية .. من أي مستوى من الاحترام ، هي التي أسقطت هيبة الدولة من عيون المواطن و حولت النظام إلى أضحوكة و القضاء إلى هنة بلا اسم يتندر بها الجميع ..
و بالعودة إلى ما هو أوضح و أقرب إلى الفهم ، نجد أن :
- حزب الإنصاف حزب تنفير من السلطة..
- حكومة النظام حكومة تنفير من السلطة..
- اتحادية أرباب العمل اتحادية تنفير من السلطة ..
- إعلام النظام إعلام تنفير من السلطة..
كل اختيارات ولد الغزواني غير موفقة ، تماما كما لو كان يعمل على أجندة سرية تديرها قوة شيطانية غامضة.
لقد كنت أكثر من نصح غزواني بأمانة و صدق لأن فشله بالنسبة لي لا بد أن يقود إلى انقلاب عسكري لا ندري بماذا يأتي أو فوضى عارمة ، تكبر أسبابها مع الزمن في بلدنا المستهدف من أكثر من جهة و لأكثر من سبب..
و من يتأمل اليوم الانفلات الواقع داخل الأغلبية و ضبابية الانتماءات السياسية و غموض الولاءات التقليدية و رهانات المافيات الانفصالية و تغابي المعارضة المطمئنة اليوم لوقوع غزواني في فخ شراكها الذكية ،
يدرك بوضوح أن غزواني لا يملك أي تصور موضوعي لما يُقدم عليه و لا يُعِدُّ أي حل لفشل توقعاته و لا يكترث لأي نتيجة قد تفاجئه ..
هذا الوضع الكارثي ، لا يمكن أن يترك أي مهتم بالشأن العام (و يخطئ من يعتقد أنني أعطي الصدارة فيه لأي آخر) ، في موقع الحياد مما يجري : لم تعد القضية اليوم قضية صراع على السلطة و لا قضية قياس مدى تقدمنا في تيرموميتر الديمقراطية : نحن الآن في جوف نفق ثلاثين عاما من الاستهتار و النهب و الأنانية و تصفية الحسابات و الانقلابات الجهوية و الانتخابات المشوهة و الأخطاء القاتلة متعددة الارتدادات و الآثار الرجعية . و نحتاج اليوم إلى من يخرجنا من هذا النفق لا إلى من يعسكرنا عزلا عند نهايته المسدودة، بمزيد من الأخطاء الفادحة ..
لقد أصبح من أقل حقنا اليوم و من واجبنا المقدس أن نصارح شعبنا بهذا الوضع الخطير و أن نستشرف الحلول الممكنة و نطلب من الجميع المساهمة في حلحلتها.
لست هنا للدفاع عن أي جهة ، لكن ، مهما قلنا و قلتم عن المؤسسة العسكرية ، تبقى الحقيقة أنه لا توجد اليوم أي جهة مسؤولة (موالية أو معارضة أو نخبة) ، في هذا البلد ، يمكن التوجه إليها في أي شأن وطني كبير ، غير المؤسسة العسكرية.
و مخطئ قطعا من يُحمِّل المؤسسة العسكرية أي فاصلة من أخطاء هذا النظام ، لكن مخطئ بنفس المستوى من لا يحملها مسؤولية تفرجها على انهيار النظام أمام أعينها من دون أي تدخل ..
و لأن البلد لا يتحمل الآن أي هزة و لأن الظرف يتطلب حلا هادئا و شافيا يعيد ثقة الشعب في النظام و سلطة القانون على الجميع و يمحق بكل عنفوان كل من تسول له نفسه أي مساس بهيبة الدولة ، لا أرى أن الحل يمكن أن يخرج عن أحد الخيارين التاليين :
# الخيار الأول و هو الأفضل و الأنسب و الأصون للود و الاحترام ، أن يقوم وزير الدفاع و القائد العام للجيوش و المدير العام للأمن بزيارة ودية لفخامة رئيس الجمهورية، يطلعونه فيها على خطورة الوضع و يدعونه إلى تصحيح المسار المتمثل في :
١ - محاكمة عزيز (حضوريا إن حضر أو غيابيا إن غاب)
٢ - تنظيف الإدارة و الحزب من المفسدين (بلا استثناء) و إعادة ما أمكن من ممتلكات الدولة المنهوبة
٣ - فرض إجراءات صارمة و عقوبات رادعة لحماية المال العام.
٤ - حل اتحادية أرباب العمل و الترفع بمستوى أدائها عن ما تتخبط فيه اليوم من أخطاء فادحة و فاضحة..
٥ - وضع إجراءات صارمة لمعالجة ورطة المهاجرين الأجانب و تشخيص و مراجعة مشكلة الحزام الأمني للحد من الثغرات و الأخطاء المحتملة.
٦ - مراجعة كل المسار الانتخابي و تنقيته من الأخطاء ( حتى لو تطلب الأمر تأخيرها بما يكفي لضمان السيطرة الإدارية على مسارها) و فرض مستوى تعليمي مقبول على المترشحين و إلغاء كوتا المرأة و الشباب و غيرهما لضمان ظهور برلمان مسؤول يناقش باستخدام أدلة الإقناع و يحترم كل منهم رأي الآخر مهما كان الاختلاف و يشعر كل معارض منهم و كل موالي بمسؤوليته الوطنية في القضايا الكبرى : البرلماني الجاهل جريمة في حق الوطن . و كل جاهل قاصر . و القاصر لا يكون مصدر تشريع ..
٧ - إعادة الثقة في القضاء من خلال حزمة إجراءات مدروسة و متابعة صارمة ..
# أما الخيار الثاني فلا أرجو أن يكون ، إذا لم تفرضه أطرافا أخرى ربما تكون وراء ما يحدث اليوم من أشياء يعجز الجميع عن فهمها.!