ديوان السلالم .. بلبل جديد يغرد في الساحة الأدبية الموريتانية

أربعاء, 2015-01-21 21:19

يشكل ديوان "السلالم" للشاعر والإعلامي أحمد ولد ميلود حالة شعرية هامة بالنسبة لي، لما عبر عنه من شوق إلى الإبداع بحثا عن موقع متميز في مدينة عبقر.يبدو ذلك في استخدامه الجيد للصور واقعيا أو مزجا وتوليدا (حقيقة ومجازا ) مع احترام اللغة من خلال نصاعتها وبساطتها، وجودة سبكها،

 

 

مما ناى به عن الواقعية الغوغائية والسوقية  اللغوية اللتين عمت بهما البلوى ،وجعلتا سحر البيان منبرا ذلولا ومركبا سهلا ومعول هدم للغة القرآن الكريم ، ونهرا ضحلا يعبره ويجول في قاعه كل متشاعر فاشل.

 

صدر ديوان السلالم عن اتحاد الأدباء والكتاب الموريتانيين، وقدم له أستاذ الأدب الموريتاني بجامعة انواكشوط الدكتور أحمد ولد حبيب الله، الأمين العام للإتحاد سابقا ورئيس فريق وحدة "المنارة "للدراسات والبحوث والتحقيق بقسم اللغة العربية وآدابها ويقع في ( 81 ) صفحة من الحجم المتوسط ويشمل (62) نصا.

 

أخذ الشاعر أحمد ولد ميلود  بأسباب التمكن من اللغة العربية في وقت مبكر من حياته، حيث حفظ القرآن الكريم ثم درس على والده عبد الرحمن ولد ميلود رحمه الله  ديوان صاحب الجلالة والسمو، أمير الشعراء امرئ القيس بن حجر بن الحارث الكندي، و ألفية ابن مالك في النحو ولاميته في تصريف الأفعال، أحب الشعر وعاش في بئته وكتبه في وقت مبكر من حياته.

 

هذه الدراسة المحظرية المؤسسة والأصيلة والنزعة الفطرية نحو الشعر أضاف لها الشاعر دراسة نظامية حديثة ختمها بالحصول على شهادة المتريز في الآداب العصرية من جامعة انواكشوط.

 

كما سبر أغوار الكتابة النثرية من خلال عمله كاتبا صحفيا بالوكالة الموريتانية للأنباء منذ سنة 1993ولغاية اليوم.

 

كتابة الشعر والتمرس في فن الكتابة النثرية مكنا ولد ميلود من إتحاف المكتبة الوطنية بعدة مؤلفات نثرية أدبية منها: "الحياة والإنسان" في الفكر والتأمل و "أعاجيب الزمن" وهو مجموعة قصص ومقالات أدبية و "ساعات بين الشعراء" في تحليل الخطاب الشعري و "خطرات من وميض الحلم" في تفسير الأحلام.

 

قرأت ديوان السلالم قراءة انطباعية تبحث عن الجمال الروحي والمتعة الشعرية فكان لي ما أردت ،فدعوت الشاعر لجلسة شاي كان ظاهرها سمرا  شعريا أما باطنها فكان استجوابا انطباعيا هو الآخروذلك بهدف الاطلاع على تجربته الشعرية ،وهل بقي للشعربالنسبة له  محل إعراب في عصر العولمة وطغيان القيم المادية وثقافة الاستهلاك، باختصار شديد:

 

ما هو الشعر بالنسبة لأحمد ولد ميلود؟ ولأي مذهب شعري ينتمي أو يتعصب؟ وما هي مكامن الإبداع والحداثة أو الاتباع واجترار الماضي في ديوان السلالم ؟؟

 

يستحضر شاعرنا من بداياته الشعرية نماذج قليلة يوم كان في العقد الأول من العمر، ويقول إن ولعه بالشعر تضاعف منذ تلك الفترة  حتى ولد في نفسه إرهاصات غنائية عرفتْ منها روحه ــ كما يقول ـ أن للشعر بحورا وأن لكل بحرمن تلك البحورموسيقاه الخاصة به التي  لا يهتدي إليها إلا الشعراء ،وأنهم بهذه الموسيقى يكتبون شعرهم محاكاة لشعر الآخرين!

 

وفي غضون ذلك استيقظ فجر يوم من نومه وهو يكرر شطرين من الرجز لعلهما سيكونان بعد ذلك بيتا من الشعر! ثم تبعت ذلك متتاليات شعرية لم يدر أولها من آخرها.

 

أبرز الأغراض السائدة في ديوان السلالم هي الشعر الوجداني والشعر القومي المهتم بهموم العرب والمسلمين والنقد الاجتماعي والتعبير عن هموم الوطن الخاص والتوسل.

 

وهو عمودي بامتياز إذ لا يوجد فيه من شعرالتفعلة غير نص واحد من اثنين وستين نصا هي مجموع نصوصه.

 

يضم الديوان قطعا وقصائد تتراوح في طولها مابين العشرة والسبعين بيتا، مع ملاحظة طول النفس في أغلب النصوص، وخصوصا قصيدة شوق إلى الجنة التي تبلغ 185 بيتا.

 

 

الشاعر والإعلامي أحمد ولد ميلود

 

أما تسمية الديوان بالسلالم فيقول الشاعر: سميته "السلالم" تشبيها له بالدرج التي يصعد بها إلى القمة، فكأنه معراج سماوي، ويعلق الدكتور أحمد ولد حبيب الله على هذه التسمية قائلا:

"لم يشأ الشاعر أن يطلعنا على السر في تسميته لديونه بالسلالم إلا في آخر المطاف عند قصيدته التي بعنوان "شوق إلى الجنة "والتي لم تعد قصيدة بقدر ما هي ملحمة، خاصة أن هذه القصيدة او الملحمة هي آخرما في الديوان من الشعر ... ثم يضيف الدكتور قائلا:

 

فكأن الديوان رحلة شعرية تنتهي بالوصول إلى الجنة"  وتبلغ قصيدة شوق إلى الجنة (185) بيتا.

 

يقول في النشيد السابع منها:

 

ياعناق الحب من بعد الضنى **بعد هجر كان في الآباد داما

بعد شوق جامح من عقله ** وحنين كبد الروح هياما

في فضاء لم يكن يخطر بال**قلب ذي العقل الذي ولى وهاما

 

حضور الغزل قوي في الديوان حيث تطالعنا عناوين غزلية عديدة مثل "عناقيد الجوى "وبعد الرحيل" و "الغرام التليد " و"حيرة قلب و"استجواب " و"خيال جديد" و "زفرة مشتاق" التي جاءت ثمرة معاناة وجدانية خاصة على ما يبدو، وقد سماها بعض أصدقاء الشاعر من خاصة أتباعه الغاوين "معلقة" لأنها أوغلت في الغزل، وتجاوزت خطوطا حمراء، وهامت على وجهها حتى بلغت (72) بيتا، ومطلع هذه القصيدة المعلقة:

 

وُعودك في الأزمان محض أمانٍ        ودلك للعشاق سحر جنان
صديقة عمْري ما أقول؟غزاني      غرامك والشوق العظيم لهاني
صديقة عمري كيف حز جَناني      فراقك في الأيام كل أوان
أمريم هذا الحب أقلق خاطري      وحملني في العشق خوض رهان
تسامى شعاعا يقتل النفسَ ضوؤه     ويذبحني بالفكر تحت بنان
رميتِ فؤادي بعدما شفه الهوى  وكم من حبيب كان قبلُ رماني

فصرت بذاكم من جموع عواشقي  أحاصر في الغابات شر مُدان
تفانين في شعري يردن اقتناصه    وهرول قلبي لاعجا بتفانٍ
وذاب اصطباري تحت شمس سمومة    تآكل منها كل أخضر دانٍ
وطار غبار والرياح تثيره     بملحمة شعواء دون حنان
ولم يبق مني غير عزم مجنح     وقلب سليب بالمعارك عانٍ
وفاجأ نفسي هذا الغرام الذي طغى    فلم أك في عشقي رضيع لبان!

عشيقك لا يخلو من الهم ليله    ويحكي الذي ينهد باليرقان

غيابك سقمُُ ُ، والحضور مرارة     تحرك في الأعماق نخوة وانٍ

وما الفكر في لقياك إلا تألم      يزيد بقايا النفس مر هوان
وفي لحظة من مجلس لك ترتمي    عليً شظايا القهر منك روان
تحاكي سحابا يمطر الدهرَ ودقه     ويرسل سحا دائم الهملان
فماذا عسى يبقى من القلب بعد ما    رأيت الذي يلقى بكل أوان
قد او حشتني بالفكر في زمن الردى      وفي ظلمة يشقى بها الملوان

أما طال هذا الحب يا ابنة مالك      أليس عراك الدهر غير سنان؟

وما قصة الحب الذي أنبت المنى    وخلف حزنا قاتلا بكياني؟
إذا كان حب المرء للمرء حسرة     فما قيمة الذكرى بشر أمانٍ؟!
أبيني، فإن الحق بان وما به الـــ   ــتواء، وما للجور فيه يدان.

 

سألت الشاعر أحمد ولد ميلود عن ماهية الشعر بالنسبة له فأجاب "الشعر عند ي فضاء واسع وعالم لا تدركه المقاييس، يمتزج فيه الإنشاد  بالإنشاء  ،غناء ينصهر في حداء يطرب السامع ويثير مشاعره ويحرك وجدانه ،فيتركه ضحية موجة عاتية وزوبعة طاغية يملؤها التناغم الشعري ،والصور والإيحاءات اللا شعورية التي تفاجئ النفس وتزرع فيها العشق وتمنيها به ، فإن قرأت شعرا ولم تحس بهذه الأشياء ولم تشعر بهذا الإحساس فاعلم أن شعرية النص الذي قرأته يراودها الشك ويبلدها النظر:

 

إذا الشعر لم يهززك عند سماعه **فليس خليقا أن يقال له شعر

 

و يخيل إلي أني لحظة كتابة الشعر أكون في برزخ بين اليقظة والنوم وأصاب  بنوع من التداعي والتفكك الذي ينتابني من وراء الواقع، وتحيط بي هالة من الموسيقى الوهمية و الجميلة العصية على الفهم..".

 

وعن التزام الشاعر وهل الشعر للشعر ام للمجتمع ؟’يقول أحمد ولد ميلود : على الشاعر أن يراعي القيم الدينية والأخلاقية وفي ما سوى ذلك يعبر عما في نفسه كما هو لا كما يمليه عليه الآخرون لأن الشعر منبثق من الشعور.

 

هام قلبي في وديان السلالم فتكاثرت علي النصوص حتي لم أدر أي نص أقرأوحتي لا أكون خداشا قررت ان أعيش مع الشاعر من خلال قوله:

 

طوباك يافتنة الأزمان طوباك * *قد راود القلب مني سيل مغناك

جنانك الغضة الفيحاء ماثلة **ملء الجفون بقلب المغرم الشاكي

تراقص الفن في الآفاق مبتهجا **بيوم أمس أسيرا حين مرآك

تلقاك دندنة الأشواق راكعة **من التباريح في أجواء مثواك

تخضل منك غصون السدر ضاحكة **تستلهم النور من آفاق مرعاك

لك الهتافات ما تنفك صاخبة ** والزغردات أناشيد لمعناك

ذكراك ملحمة في الدهرخالدة ** يزغرد الكون فيها عند ذكراك

فيك القصائد لا تنفك ساجدة ** وغادة السحر بعض من ثناياك

والنور نور كليل في تناظمه ** مهما تقارب حينا من صباياك

والكوثر الساحر المحبوب مشربه ** منك استمد عبيرا عبر رياك.

 

 

ديوان السلالم للشاعر والكاتب  أحمد ولد ميلود يؤنسني فيعيدني إلى زمن الفتوة والشعر، واللغة العربية الجميلة..

 

أ. محمد الأمجد ولد محمد الأمين السالم