أكثر ما يهدد تقدم موريتانيا اليوم / سيدي علي بلعمش

اثنين, 2021-12-13 20:31

تبتلع لوائح تقاعد السنوات الأخيرة بقية خيرة الأطر الموريتانية ، في التعليم و الصحة و الإدارة (…)
و يوما بعد يوم تزداد حمولة الإدارة المنهكة ، بأصحاب شهادات عالية مزورة و مغشوشة و معدة في الظلام بأسوأ جامعات العالم..
و شملت العدوى في العقد الأخير، مؤسسات عملاقة، حافظت طويلا على مستوى عال من الصرامة و الانضباط و الاستثمار بسخاء في المصادر البشرية، مثل اسنيم و الخطوط الجوية، حيث تعيش الأخيرة حالة انهيار تدريجي، عجزت كل محاولاتها عن العودة بها إلى مستوى تقاليد الصرامة الذي حولها (في الثمانينات) إلى إحدى أفضل و أنجح شركات الطيران في المنطقة رغم بساطة وسائلها . و تعيش الأولى حالة خوف من المجهول بعد تدخل الأيادي الآثمة في صندوق أسرارها و العبث بنهج صرامتها و تقاليد حماية كل منظومة كبريائها ..

تقاعد فيالق الأطر السامية ، أساتذة و معلمين و إداريين و مهندسين و أطباء و ضباط أمن و جيش و خبراء في شتى المجالات، في أوج عطائهم و ذروة اكتمال خبراتهم، عمل يحتاج إلى مراجعة في وجه غزو الشهادات المزورة و انحطاط مستويات التعليم و بحوث غوغل ..
كل الدراسات الحديثة أثبتت أن أفضل فترة عطاء في حياة الإنسان ما بين سن الستين و الثمانين، هذا بغض النظر عن نوعية التكوين التي تلقاها هؤلاء و مستوى الصرامة الذي تم تكوينهم على التحلي به..
يجب الآن :
- إصدار قرار بكامل قوته القانونية، يستثني كل من يحمل صفة خبير أو أخصائي أو لامع في أي مجال، من التقاعد الإجباري على أساس العمر و منحهم امتيازات تحفيزية خاصة تشجيعا لهم على مواصلة عطائهم خدمة ً للجمهورية..
- تشكيل لجنة تقويم محلفة و مؤتمنة و مبرزة ، تستقبل سنويا لوائح التقاعد و النظر في ملفات أصحابها لإصدار شهادات (خبير ، أخصائي، لامع) .
- تكلف نفس اللجنة بالنظر في ملفات من سبق تقاعدهم لاستعادة من يحملون هذه الصفات منهم..
- أن تكون مواصلة هؤلاء اختيارية بعد سن التقاعد و مشجعة بالتحفيزات و شهادة من رئاسة الجمهورية تعترف بتميزهم و تثمن استعدادهم لخدمة الوطن..
يتفق كل الخبراء في العالم و منذ الأزمنة الغابرة، أن أخطر ما يهدد تقدم البلدان و يوقف حركة إبداعها "غياب القدوة" .
و هذا ما نلاحظه بوضوح في العقود الماضية من تاريخ بلدنا . و هو ما نحتاج اليوم إلى التفاتة جادة إليه من القمة ، بما يجعل هذا الأمر درسا أخلاقيا في واجب وطني.
إن ما تحمله الأجيال الصاعدة من عيوب زمنها (احتراف الغش و التزوير و التدليس و عقلية الشطارة و سرقة البحوث و اعتماد معلومات غوغل في رسائل الشهادات العالية و سرقة الأفكار و غياب صرامة التصحيح و استحالته في أكثر الأحيان ، …) ، يجعلنا أمام وضع معقد و خطير يحتاج قرارات استثنائية و رؤية ثاقبة و اتخاذ تدابير عاجلة لتدارك هذا النزيف الخطير الذي لا ينتبه إليه الكثيرون..
رجال أكفاء في أوج عطائهم و نضج خبراتهم ، يتم تقاعدهم في منتصف العمر و في بلد وصل فيه التعليم إلى الحضيض ؛ فأي منطق هذا ؟
و أي توجه إلى الإفلاس الحتمي؟