من ولد مايابى إلى بابه ولد الشيخ سيديا

خميس, 2014-07-10 01:27

في تدوينة لي سابقة نشرت رسالة من العالم الجليل محمد حبيب الله بن مايابى الجكني اليوسفي إلى العالم العامل محمدو ولد الأفظل الحسني الإختيري:

https://www.facebook.com/ouldalAmir/posts/10152150923473589

 

وقد سأل بعض المعلقين عن مراسلات تمت بين ابن مايابي وبابه بن الشيخ سيديا، وقد عثرت على هذه الرسالة الثمينة الجزيلة التي تعطي صورة واضحة لعلاقة علمية وثقافية بين علمين جليلين من أعلامنا وهما محمد حبيب الله ولد مايايى وبابه ولد الشيخ سيديا.

 

ويبدو من رسالة ابن مايابى أنه كان متعلقا بلقاء بابه ولد الشيخ سيديا حتى وهو في محظرة أهل أحمد ولد الهادي بآفطوط، لكن ظروف الهجرة حالت بينه وبين ذلك.

 

كما يتضح من الرسالة حرص محمد حبيب الله على أن يتولى بابه شرح نظمه "دليل السالك" وهو أمر يبدو أنه لم ينجز لأن هذه الرسالة المكتوبة في الحجاز كان تاريخ كتابتها 9 أشهر قبل وفاة بابه ولد الشيخ سيديا رحمه الله، مما قد يعني أن وصولها إليه سيكون بعد كتابتها بأشهر أي قبل وفاته بمدة وجيزة. فربما لا يكون بابه قد وجد الوقت للرد عليها أحرى أن يشرح تأليف ابن مايابى المذكور.

 

وفي الرسالة فوائد ومعان وإشارات علمية وتاريخية مفيدة.

 

وقد اشتهر محمد حبيب الله بن مايابى بأنه كان موسوعي المعارف وكان أحد سفراء بلاد شنقيط في المشرق وخصوصا الحجاز ومصر له الكثير التآليف الواسعة الانتشار كزاد المسلم فيما اتفق عليه البخار ومسلم وغيره.

 

مدحه بابه بن الشيخ سيديا بقصيدة منها:

حَيَّا الإلَهُ حبيبَ الله مَن لَزِما ۞ بيتَ الإله وحَيَّا البيتَ والْحَرَما

إنَّ الزَّمانَ إذا يابَى وُجودَ فتىً ۞ مثلِ (ابنِ ما يابَى) لَمْ يُعْدَدْ من اللُّؤَما 

ما زال يدأبُ في علمٍ وفي عَمَلٍ ۞ يَقفُو بأعمالِه آثارَ من عَلِما 

حتى أباح حِمَى العَلْياء في زَمَنٍ ۞ قلَّ الْمُبيحُ مِن العلياء فيه حِمَى 

 

توفي محمد حبيب الله رحمه الله تعالى سنة 1945 ودفن بالقاهرة.

 

أما بابخ أو الشيخ سيدي بابه بن الشيخ سيدي محمد بن الشيخ سيديا الكبير فهو سمي جده العالم الشهير الشيخ سيديا بن المختار بن الهيبة الأبييري.

 

كان عالما مصلحا مجتهدا سنيا وقد د قاد تيارا قويا من العلماء والوجهاء وأرباب السياسة في موريتانيا لما رأى تغلب المستعمر الفرنسي على أفريقيا الغربية وعلى بلدان المغرب العربي فدعا إلى مهادنتهم خاصة أن موريتانيا كانت تعيش تلك الآونة فوضى وسلبا ونهبا وغياب سلطة سياسية قادرة على بسط الأمن وإشاعة العدل.

 

ولبابه بن الشيخ سيديا مؤلفات تعكس اطلاعا واسعا وعمقا في الفهم وشمولية في النظرة.ِ وقد توفي في الثالث جمادى الأخيرة 1342 الموافق 12 يناير 1924.

 

نص رسالة ابن مايابى لابن الشيخ سيديا:

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي جعل العلماء ورثة الأنبياء، وجعل منهم خواص نسبةُ غيرهم كنسبة العوام للأولياء، والصلاة والسلام على من بعث بأشرف الشرائع وتتميم مكارم الأخلاق وعلى آله وأصحابه الحائزين من المكرمات والديانات قصب السباق.

 

أما بعد فمن كاتبه عبد ربه محمد حبيب الله بن الشيخ سيدي عبد الله بن مايابى وفقه الله، إلى عالم العلماء وولي الأولياء وذكي الأذكياء وأديب الأدباء وصوفي الفقهاء وأقرأ القراء وأبلغ الشعراء فائق النظراء بل عديم الشكل في الأحياء الجامع بين الشريعة والحقيقة، من له في كل فن وكل مكرمة أعز طريقة، مركز دائرة المعارف والعلوم الجامع بين علم الحقائق وعلم الرسوم، الأستاذ العالم الكبير المحدث الكامل الولي العارف ذي الفضائل الجمة والفواضل: الشيخ سيديا بن العالم الولي البليغ الألمعي خاتمة الأدباء ذي الذوق السني الشيخ سيدي محمد بن الولي الكامل الأكبر،

 

من كان وجود مثله في الدنيا أعز من الكبريت الأحمر الشيخ سيديا رحم الله الجميع وجمعنا وإياهم في أعلى الجنات في أشرف مكان رفيع، سلامٌ تزداد به المحبة والسرور وتنشرح به مع تنائي البلاد الصدور، سلام ألذ من منادمة الأذكياء ومحادثة الأدباء الظرفاء، سلام يناسب جلالة المسلَّمِ عليه وسيادَتَه، وما انتمى من الفضل والمجد التالد إليه.

 

أوجبه أن كاتب الحروف لا زال محبا لكم بالدوام وداعيا لكم بسعادة الدارين والختم بالإيمان، في جوف البيت الحرام. وأرجو الله أن لا يحرمنا من لقائكم في دار الدنيا الفانية، وأن يجعلنا على سرر متقابلين في دار الجنة الباقية إنه على ذلك قدير وبالإجابة جدير.

 

وقد كتبت لكم كتبا مرتين أو ثلاثا ولم أتحقق من وصول شيء من تلك الكتب، ومع اثنين منها قصيدة في ذكر بعض مآثركم الجمة وهي شعر طالب متشاعر لا يوازي شعر خنذيذ ماهر. ولم تكن إشارتي الآن لعدم تحقق لوصول الكتب لقصد تكليفكم بالكَتْبِ بل مرادي أن تأمروا من يكتب لي بوصول الكتب لكم إن كانت وصلت أو عدمه إن لم تكن وصلت. وإن كان تمتعي بنظر خطكم البهي غذاء للأرواح أعذب وأشهي من غذاء الأشباح، واقتباس نواراني تلقح منه القلوب وتمحى بسببه الذنوب.

 

وقد كتبت لكم عام أولَ ولا أظنه وصلكم أنَّ محبتي لكم قديمة، وأني كنت عازما قبل هجرتي عن البلاد على زيارتكم والاقتباس من علومكم الشريفة والتأدب بآدابكم الكاملة المنيفة فشغلني عن ذلك معاناة تكرار مختصر خليل حتى فات ذلك الغرض بسفر الهجرة وكم عطل ذلك المختصر من خليل عن خليل لا سيما من رام إتقانه قطع فيه زمانه.

 

فكنت أقول لا أذهب عن شيخي أحمد بن أحمد بن الهادي رحمه الله حتى لم تبق لي في المختصر مشكلة، وحيث تم هذا الغرض أرتحل لزيارة الشيخ سيديا، وهكذا توفي شيخي فجاء الأمر الذي ألجأ لهذا السفر المبارك إن شاء الله. ولم تزل تلك الأشواق في القلب كامنة، وإني إن لم أحظ برؤية طلعتكم البهية في السابق فإني أحمد الله على محبتي إياكم والفتاتكم إلى في اللاحق .

 

والمرجو من الله تعالى أن تكونوا شرحتم نظمنا: "دليل السالك" حسبما وعدتموني به مساعدة لطلبي ذلك منكم سابقا، ولست شاكا في أنه لا يمنعكم من إنجاز الوعد بشرحه إلا عدم الصحة والضعف مع الأشغال النافعة.

 

قوَّاكم الله تعالى وأعانكم وأصلح في الدارين شانكم ويسر لكم شرحه على المراد حتى ينتفع به كثير من العباد وحتى يكون باعثا على تقديم الموطأ على غيره من كتب الحديث كما هو الحق وإن تتابع المتأخرون على اختيار ابنِ الصلاح ومن تبعه كابن حجر العسقلاني لتفضيل الصحيحين عليه، وكأنهم لم يطلعوا على رجوع الحافظ ابن حجر عن ذلك في نكته على مقدمة ابن الصلاح حيث ساوى بين صحيح البخاري وموطأ مالك دون فرق بينهما.

 

ولم يتأملوا الأدلة التي جمعناها في دليل السالك وغيره وهي لا تخفى على أهل الذوق والإنصاف.

 

وإذا كتبتم عليه بقية مواضع منه مبيضة حيث لم تجدوا الكتب المأخوذة منها في بلدكم فأرسلوه لي فإني أضع نقول تلك المواضع في محالها بلفظها، وأسعى إن شاء الله في طبع شرحكم هذا حتى يطبع.

 

والمقصود أن يكون حُليا له وبركة تعود عليه.

 

وقد كتبت على جميعه هوامش كالشرح لكني لا زلت لم أمزجها به حتى أعرف هل شرحتموه أم لا، والمرجو شرحكم له.

 

وأسلم على أخيكم الأبر صاحب الأنوار وأبنائكم البررة الأخيار وسائر أقاربكم وتلاميذكم زاد الله في مددكم وأسراركم وعمنا بنفحات أنواركم، حفظكم الله وأنجالكم وأسعدكم في الدارين بما هو أنجى لكم.

 

كتبه في 13 شعبان سنة 1341 (31 مارس 1923) محمد حبيب الله بن مايابى وفقه الله آمين.