مع كل إشراقة يوم جديد، تتجدد معاناة أطفال مدينة تجكجة عاصمة ولاية تكانت مع العطش جراء الانقطاعات المتكررة للمياه، إلى حد يقترب من ندرة أذل موجود وأعز مفقود.
وما إن يأتي الغروب حتى تتنازل المدينة عاصمة الولاية عن مكانتها كمدينة، وتصير بادية موحشة، والسبب ألا كهرباء تميز بين الاثنتين، وفق ما تؤكد الشعارات والوسوم التي يرددها المنحدرون من المدينة، وأبرزها: #تجكجة_بلا_ماء_ولا_كهرباء.
براءة تتعثر بسبب العطش..
وفي ظل هذا الواقع المؤلم، باتت لافتةً مشاركة أطفال المدينة في الوقفات المنتظمة منذ أشهر أمام مقرات الإدارة الإقليمية بالولاية، بل ومنذ سنوات من أجل رفع معاناة المدينة المتجددة مع العطش، ما إن يتولى موسم الخريف.
براءة هؤلاء الأطفال بات أصحابها مضطرين إلى التنازل عنها أمام هذه الأزمة الخانقة، فنزلوا إلى ميدان معركة الحياة أو الموت بالنسبة لهم، فشح المياه في مدينتهم ذات المكانة التاريخية والرمزية الكبيرة لم يعد يطاق.
على مشارف الاستئناف الدراسي
كأن لسان حال ابن تجكجة يسترسل في الحديث عن نفسه، وهو على مشارف استئناف الدراسة: كيف لي أن أتميز في دراستي، وعندما أعود إلى بيت أهلي لا أجد من الماء ما يكفي لأروي به بذور المعرفة التي زرعها معلمي خلال حصة الدرس، وأغسل عني مشقة يوم دراسي طويل.
بل وكيف يريدون أن يعتبروا الاستئناف الدراسي ناجحا، وأنا غير آمن من أن ينقطع التيار الكهربائي عني ليلا، وأنا أحاول حل واجباتي الدراسية في المنزل ومراجعة دروسي؛ هل يريدون مني مثلا أن أتنازل عن راحة القيلولة فأموت من الإجهاد، أم أتنازل عن رياضتي المسائية فأخسر العقل السليم بسبب خسارة الجسم السليم..!
أمجاد المقاومة..
ولا تكاد تخلو منطقة من مناطق المدينة من آثار مجد تليد أقامه آباؤهم وأجدادهم، مقدمين دماءهم وأرواحهم رخيصة في مقابل الأمجاد النفيسة، العظيمة عظمةَ مقاومة الاستعمار ودحره في المعارك المتلاحقة لدى حلول الموجات الأولى من ليله البهيم، في أرض صرع على أديمها قائده التاريخي اكزافيي كبولاني.
ولطفل تجكجة أن يحزن ويرق حين يرى أن العطش هو جزاء دماء سلفه الذين سقوا بها ذلك التراب الطاهر، وأن الظلام جزاءُ دورهم في ميلاد فجر الدولة، بعد معارك كر وفر خسرت فيها البلاد الكثير من أبطالها البواسل، واستمرت قرابة أربعة عقود.
الرمزية الثقافية التي تقترب من القداسة..
أما ما يسلي ابن تجكجة في واقعه غير المرضي بالنسبة له، فهو أن تلك الأرض لم تزل معطاء لهذا البلد، حيث لمع فيها نجم كبار الأدباء الذين تركوا بصماتهم على التراث الأدبي الحساني لهذه البلاد، وله أن يستدر من معين الثناء والفخر ما ورثته نغمات سيداتي أول ملحن للنشيد الوطني ولأغلب الرموز الوطنية، وخلفته أيقونة الفن ديمي بنت سيداتي، وله أن يرتوي من معين ذلك الثناء فأنهاره التي تجري خلالَ المدينة وتكتنف أطفالها ومختلف أجيالها، لا تعادلها أنهار الدنيا.