وقع الملك محمد السادس ملك المغرب والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بالديوان الملكي بالرباط، اتفاقية “الشراكة الاستثنائية الوطيدة” بين المغرب وفرنسا، وذلك في إطار تدشينهما مرحلة جديدة من العلاقات بين البلدين، على هامش زيارة الدولة التي يقوم بها الرئيس الفرنسي للمملكة لمدة ثلاثة أيام.
ومن أبرز النقط التي تضمنتها هذه الاتفاقية، قضية الصحراء المغربية، حيث جاء حسب إعلان صادر عن الديوان الملكي، أن الملك محمد السادس وإيمانويل ماكرون أكدا أن مجال تطبيق “الشراكة الاستثنائية الوطيدة” بين بلديهما يشمل أوسع نطاق ترابي ممكن، وذلك على ضوء الموقف الفرنسي المعبر عنه بمناسبة الذكرى الخامسة والعشرين لتربع الملك على العرش.
وكان ماكرون قد أكد في ذات الموقف بخصوص ملف الصحراء المغربية ما يلي: “أعتبر أن حاضر ومستقبل الصحراء الغربية يندرجان في إطار السيادة المغربية. بالنسبة لفرنسا، فإن الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية يعد الإطار الذي يجب من خلاله حل هذه القضية. وإن دعمنا لمخطط الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب في 2007 واضح وثابت. ويشكل هذا الأخير، من الآن فصاعدًا، الأساس الوحيد للتوصل إلى حل سياسي، عادل، مستدام، ومتفاوض بشأنه، طبقاً لقرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة “.
وخلال الزيارة، جدد الرئيس الفرنسي، بصفة خاصة، تأكيد التزامه بأن تواصل فرنسا مواكبة جهود المغرب، من أجل تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية لهذه المنطقة لفائدة الساكنة المحلية”.
وذكر الإعلان ذاته، أن الشراكة الموقعة بين الطرفين تهدف أساسا إلى تحقيق ثلاثة أهداف كبرى، أولها تعزيز التقارب السياسي والاستراتيجي بين المغرب وفرنسا لتمكينهما من مواجهة التحديات الكبرى الراهنة، وتعميق وتحديث الشراكة بين البلدين خدمةً للتنمية الاقتصادية والتماسك الاجتماعي واستقلاليتهما الاستراتيجية، ثم مواصلة تدعيم تعاونهما المتميز في مجال الروابط الإنسانية والرأسمال البشري والثقافة، والمتجذر في إطار فرانكفونية قائمة على القيم والانفتاح.
وحسب نفس المصدر، فقد حددت اتفاقية الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، القطاعات الاستراتيجية التي يمكن إيلاؤها قدراً أكبر من الاهتمام والجهد على وجه الخصوص، وعلى رأسها الأمن الصحي وإنتاج اللقاحات، والماء وتدبير الموارد المائية والفلاحة، والتدبير الغابوي والأمن الغذائي، وتعزيز البنيات التحتية الطرقية والسككية والبحرية والتنقل الحضري، والربط والانتقال الطاقي والطاقات المتجددة، والذكاء الاصطناعي.
كما شملت التعاون في مجالي الأمن والدفاع، والتعاون في مجالات التربية والبحث العلمي والتكوين الجامعي، والتعاون الثقافي، خاصة في مجال الصناعات الثقافية والإبداعية والتراث، والتعاون في مجال الرياضة وتنظيم التظاهرات الكبرى، في إطار الألعاب الأولمبية والبرالمبية المنظمة بباريس في 2024، وفي أفق بطولة كأس العالم لكرة القدم 2030 بالمغرب.
وفي ما يتعلق بمجال الهجرة، أشاد رئيسا البلدين بالتعاون الطموح الذي أرسياه وعززا دعائمه في هذا المجال، داعيان إلى وضع أجندة شاملة بحيث تشمل، في الآن ذاته، تسهيل التنقلات النظامية، ومكافحة الهجرة غير النظامية، والتعاون في مجال إعادة القبول ومنع عمليات المغادرة بالطرق غير القانونية، وكذا تعزيز التنسيق بين دول المصدر وبلدان العبور وبلدان الإقامة، على أساس مبدأ المسؤولية المشتركة.
وعلى الصعيد الإقليمي، شدد قائدا البلدين على الأهمية المحورية التي يوليانها في حوارهما الاستراتيجي الثنائي لكل من إفريقيا والفضاء الأطلسي، والعلاقات الأورو-متوسطية والشرق الأدنى والأوسط، كما اتفقا على تطوير مشاوراتهما من أجل تشجيع مبادرات مشتركة تهدف إلى الإسهام بشكل جماعي، مع البلدان المعنية، في أمن هذه المناطق واستقرارها وتنميتها.
كما أشاد ماكرون بالعمل الهام الذي يقوم به ملك المغرب محمد السادس من أجل استقرار إفريقيا وتنميتها وبالمبادرات الملكية التي تم إطلاقها في هذا الشأن.
أما على الصعيد الدولي، فأكد البلدين إرادتهما القوية للإسهام معاً في تسوية الأزمات التي يواجهها المجتمع الدولي، سواء فيما يتعلق بالتصدي لتفاقم النزعات الخلافية وتراجع سيادة القانون، أو فيما يخص تحسين مستوى حماية الممتلكات العالمية المشتركة (المناخ، البيئة، التنوع البيولوجي، المحيطات)، لاسيما في إفريقيا والفضاء الأورو-متوسطي.
وإلى جانب ذلك، اتفق الطرفان على أن يشرفا بصفة مباشرة على تتبع ” الشراكة الاستثنائية الوطيدة” بين المغرب وفرنسا، حيث سيضطلعان بتحديد أولوياتها وإعطائها الزخم اللازم لإنجاحها، كما سيقومان بصفة منتظمة، لاسيما عبر عقد اجتماعات حسبما تقتضيه الضرورة، بتتبع التقدم المحرز في تنفيذ “الشراكة الاستثنائية الوطيدة”.
واتفقا كذلك على تعيين لجنة تتبع استراتيجية مصغرة ومتساوية الأعضاء تتولى تقديم أي مقترح من شأنه أن يسهم في تعميق مضمون “الشراكة الاستثنائية الوطيدة”، وتضطلع هذه اللجنة بدور مكمل لعمل الهيئات المكلفة بقيادة أشكال التعاون الثنائي، ولا تحل محلها.
وفي غضون ذلك، أكد رئيسا الدولتين أن الجهود المشتركة التي يبذلها البلدان على الصعيدين الثنائي والدولي ستظل قائمة على أساس المبادئ التالية: العلاقة بين دولة ودولة، والمساواة في السيادة، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية وفي اختيارات السياسة الخارجية، واحترام الالتزامات المبرمة، والثقة، والشفافية، والتشاور المسبق، وتضامن ومسؤولية كل طرف تجاه الطرف الآخر.