لقد انصف الكاتب الحسين بن محنض الديماني حين قال عن بني حسان

سبت, 2023-10-07 22:14

 

( لولا تدينهم الصحيح ما قامت للزوايا بعد هزيمتهم قائمة ولا كانت لهم نهضة علمية وثقافية أصلا إذ النهضة العلمية والثقافية والمكانة الكبيرة التي تبوأ الزوايا وعلماؤهم وصلحاؤهم ونفوذ كلمتهم ومضاء أحكامهم وأقضيتهم إنما كانت بسبب إمضاء الأمراء والكبراء العرب لها والعدل الذي بسطوا حيث وصل سلطانهم في هذه البلاد فإن كان لأحد الفضل في كون هذه الصحراء السائبة أنتجت حضارة علمية وثقافية كبرى خلافا لما معتاد من طبيعة الصحراء المرادفة للجهل والفوضى فهو العرب إذ إنما وقع كل ذلك تحت سلطانهم وبمباركتهم وتشجيعهم. )

المقال كاملا من صفحته على الفيس بوك 
لم تزل مجموعة عرب المعقل التي بنو حسان جزء منها تنتج العلماء والأدباء والمؤلفين طيلة مسارها من ليبيا إلى موريتانيا ولما تميز بنو حسان باسمهم الخاص بهم إبان مقامهم بالمغرب والجزائر كان منهم علماء أفذاذ ومؤلفون وأولياء وفي موريتانيا حدث ولا حرج عن ذلك بدءا بالحسن بن آغبدي الحساني الزيدي المتوفى 1711م الذي انتهت إليه رئاسة العلم والإفتاء في عهده وقيل فيه:
((من فاته الحسن اليوسي يصحبه
عليه بالحسن الزيدي يكفيه))
إلى عصرنا الحاضر.
 
ومن طالع كتب تراجم الشناقطة وكتاب الحسوة البيسانية للعالم المؤرخ الحساني الناصري صالح بن عبد الوهاب أدرك عظم مساهمة العلماء الحسانيين في النهضة العلمية والثقافية للبلد كما أن من طالع تاريخ أمرائهم وكبرائهم من البرابش شرقا إلى أولاد دليم غربا أدرك أنهم لم يكونوا أقل تدينا من الزوايا بل كان الدين فيهم مكينا والحرص على إقامته بينهم متينا وعرف أن الصورة النمطية التي يتداولها البعض عنهم غير صحيحة بل لولا تدينهم الصحيح ما قامت للزوايا بعد هزيمتهم قائمة ولا كانت لهم نهضة علمية وثقافية أصلا إذ النهضة العلمية والثقافية والمكانة الكبيرة التي تبوأ الزوايا وعلماؤهم وصلحاؤهم ونفوذ كلمتهم ومضاء أحكامهم وأقضيتهم إنما كانت بسبب إمضاء الأمراء والكبراء العرب لها والعدل الذي بسطوا حيث وصل سلطانهم في هذه البلاد فإن كان لأحد الفضل في كون هذه الصحراء السائبة أنتجت حضارة علمية وثقافية كبرى خلافا لما معتاد من طبيعة الصحراء المرادفة للجهل والفوضى فهو العرب إذ إنما وقع كل ذلك تحت سلطانهم وبمباركتهم وتشجيعهم.

ولا ينقص هذا من دور الزوايا شيئا فدورهم في هذا الباب محفوظ لكن هذا هو الحق الذي لا يخفى على أي باحث حقيقي موضوعي ألا ترى أن أمير الترارزة في عهده هدي بن أحمد بن دامان لم يقدم على حرب شرببه إلا بعد أن أفتاه أحد أعلم أهل عصره من الزوايا هو الحاج عبد الله الحسني ولما نتهت الحرب تعاهد بنو حسان على ألا يعاملوا الزوايا إلا بما كانوا يعاملونهم به من التبجيل والاحترام قبل شرببه بل اتخذ الأمير اعلي شنظور بن الأمير هدي قائد جبهة الترارزة في شرببه من ابن خالة قائد الزوايا الإمام ناصر الدين الديماني المختار بن أشفغ موسى اليعقوبي قاضيا له ودفن أولاد أحمد بن دامان أمير الترارزة عاليت بن المختار بن أعمر بن اعلي شنظورة مع الإمام ناصر الدين بترتلاس، كما دفنوا الأمير أعمر المختار بن الشرغي ولد اعلي شنظوره والد الأمير محمد الحبيب مع أحمد ولد العاقل الديماني  بانبنبه  بوصية من الأمير، وقد سمعت بأذني المرابط محنض بابه بن امين يقول بأن زوجة صهر  الإمام ناصر الدين وأول من بايعه الزوايا ثم خلعوه بعد موت ناصر الدين أشفغ الأمين بن سيدي الفالي الديماني العربية (يقصد فاطمة بنت اعلي بن أحمد بن دامان) أفضل من زوجته الزاوية.. وقد بلغ أبناء أشفغ الأمين من فاطمة بنت اعلي بن أحمد بن دامان الغاية القصوى ولما آلت رئاسة أولاد ديمان إلى ابنها زين العابدين عمد إلى طبل الرئاسة فشقه وقال طبلنا. كتاب الله وسنة رسوله.. 

ولا أظن أحدا يشكك في تدين وعدالة أمراء وكبراء العرب ونجدتهم التي حفل بقصصها التاريخ منذ تعاهد أولاد الناصر مع الشيخ سيدي محمد الكنتي ونهضة بني حسان لبسط السلطة وإرساء الأمن والعدل في هذه البلاد كقصة الأمير البركني محمد هيبه مع محمد اليدالي معروفة فقد استدعاه وهو في غاية الغضب لما قيل له إنه انتزع منه لحنا ألفه بعض المغنين في مدحه ومدح به غيره وكان محمد اليدالي قد نسج على منواله مديحيته المشهورة صلاة ربي، فقال له محمد اليدالي  انتزعته إلى من هو خير منك محمد صلى الله عليه وسلم، فأغضى حياء وجعل ينكت الأرض بعود بيده  احتراما للرسول صلى الله عليه وسلم   ثم قال له لك بما فعلت علي جملا ولأولادك إلى يوم القيامة، وعدالة الأمير محمد الحبيب الذي لم يكن يعرف إلا بالإمام العادل لا ينازع فيها أحد وعافية الأمير أحمد بن محمد بن عيده أشهر من أن تذكر وهذا عام على جميع إماراتهم وأمرائهم وكبرائهم لم يكن لهم ميل إلا إلى العدل والدين وحفظه وحفظ أهله وإعزازهم، وكان مثلهم في ذلك العرب الآخرون من غير بني حسان كإيدوعيش ومشظوف، فهذا بكل موضوعية هو المناخ العام للعهد الحساني في هذه البلاد.

ولا ينافي هذا أنه كانت هناك سيبة ونهب لكنه لم يكن مؤطرا ولا كان هو القاعدة بل كان هو الاستثناء وأكثر من كان يذهب ليحارب ألئك الناهبين إذا نهبوا شيئا من مال الزوايا كان العرب وليس الزوايا وكثيرا ما دفعوا في ذلك مهجهم ومهج أبنائهم وإخوانهم فيموتون في معركة لا ناقة لهم فيها ولا جمل إلا حرصهم على رفع الظلم عن ذلك الزاوي الذي نهب ماله، وقصص أسرهم وقبائلهم في ذلك كثيرة كل قبيلة تذود عمن حولها من الزوايا  وسائر المستضعفين.. 

لكن أعتقد أن النظرة المجتزأة لتاريخ بني حسان في هذه البلاد ولتاريخ البلد ككل هي التي جعلت أدوارهم السياسية ومساهماتهم العلمية والثقافية لم تلق حتى الآن ما تستحق من الإبراز والتنويه، ولعلي أضرب من ذلك بسهم وافر إن شاء الله تعالى..