تسلم رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني دفة الحكم في بلادنا وسط قطيعة سياسية وصلت إلى مدى زمزني أنبتت معه النواجذ، وأوصلت البلاد إلى حالة من الانسداد لم تصلها من قبل، ولا عاد ينفع معه أي محلول مهما كان ارتفاع تصنيفه في سلم الأحماض.
أحزاب سياسية تعيش في عداء وقطيعة مع الموالاة، كما تعيش حروبا داخلية بين أجنحتها، وتنزل إلى الشارع أكثر مما تلج إلى مقارها، حوار سياسي غائب تماما، وتشاور منعدم انعدام التفاهم بين الطيف، واتهامات متبادلة بالعمالة، وبيع ممنهج لمقدرات البلاد لدول خارجية لقاء نسب معلومة من الصفقات، ومراسلات تُكشَف من حين لآخر بين الساسة وبين أصحاب الأطماع في السيطرة على البلاد، وغيره كثير وكثير.
منظمات حقوقية يقضي قادتها في المعتقلات أكثر مما يقضون في بيوتهم، ضغوط خارجية على البلاد وتصنيفات على اللوائح السواداء، ونزول في التصنيفات على موازين احترام المواثيق الحقوقية، واتهامات للحقوقيين بالعمالة للخارج، ومحاولات خطف للنشطاء في الخارج، وتهجير لرجال الأعمال وملاك رؤوس الأموال، وإغلاق للمنظمات الخيرية والمعاهد إرضاء لآخرين وبيعا للمواقف، ووضع لأصحاب الأفكار والأقلام على قوائم الترصد.
فاتح أغسطس قبل سنوات ثلاث تسلم الرئيس غزواني مقاليد الحكم في البلاد ليغير السيء إلى حسن، ويحل الإجماع محل القطيعة، ويبدل خوف الساكنة إلى أمن، في بلد مستقر لاتخاف فيه إلا الله والذئب على غنمك.
بدأ الرئيس غزواني معالجته للأزمة بمسلسل لقاءات مع الأطراف السياسية، استهلها بمنافسيه في الاستحقاقات الرئاسية، وهو منهج دأب عليه حتى شمل الجميع دون منافس، فاستمع للجميع وكلم الجميع، ووضع النقاط على الحروف وأسس مبدأ التشاور، وانتهج سياسة الباب المفتوح، وأرسى دعائم الحوار.
أطلع الرئيس غزواني الكل على حال البلد، وأفهم الكل أن موريتانيا ليست لشخص دون آخر، وأن للجميع الحق في إبداء رأيه للرئيس، وأنه رئيس موريتانيا موالاة ومعارضة، وأن من حق المعارض أن يعارض، وأن أي ديمقراطية لاتوجد بها معارضة فهي مغشوشة، وأن المعارضة ليست خيانة.
استمع الرئيس للكل فلبى النداءات وتدخل بشخصه وبواسطة مساعديه لرفع الظلم، واستمع لصوت الجميع، وترك الباب مفتوحا أمام الشاكِين، وأصدر أوامره بتلقي شكاويهم ومباشرة التحقيق فيها ومعالجتها.
أحس الكل أن الدولة دولته، فماعادت للموالاة ميزة أو استفراد برئيس البلاد، لدرجة أن عتاة المعارضة الناطحة كانوا أول المتصدين لحملات الإفك التي تنتهج خرق مبادئ الإجماع الذي أسسه الرئيس غزواني.
ورغم كل ذلك حاولت فلول عهد القطيعة أن تفسد هذه الأجواء بشتى ما أوتيت من قوة فجندت الإعلام والإعلام الجديد، وصرفت المبالغ وأسست القنوات، ووزعت الرشاوى، واشترت الأحزاب والضمائر، لكن عقلاء الشعب تصدوا لها رغم حملاتها المتتابعة.
وعلى العموم فقد استطاع رئيس الجمهورية أن يؤسس موريتانيا على منهج جديد يمكن أن يطلق عليه "المنهج الآمن" ويمكن معه أن يتم التفرغ للبناء فقد أخذنا من دروس الأيام أن أي دولة لم تتأسس على إجماع وطني، سيتعامل المتعاقبون على حكمها من منطلق؛ كلما جاءت أمة لعنت أختها، ويهدم الحاضر مابنى الماضي ويهدم اللاحق مابنى الحاضر.
أحمد محمد الدوه
إعلامي مهتم بالشأن السياسي